لا سمعت مثله قطّ. فلمّا اعتدل ضرب به طرايق غريبة، حتى خيّل لى أنّ الأركان ستقع علينا طربا. ثمّ أنشد يقول <من الطويل>:
ولى كبد مقروحة من يبيعنى … بها كبدا (?) ليست بذات قروح
أباها علىّ الناس ما يشترونها … ومن يشترى ذا قرحة (?) بصحيح
أئنّ (?) … من الشوق الذى فى جوانحى
أنين غصيص بالشراب جريح
قال: فو الله لقد خيّل لى أنّى طاير بين السما والأرض لما لحقنى من الطرب. -ثمّ قال: أزيدك؟ -فقلت: زادك الله من كلّ خير. - قال: فتبسّم وقال: ليس لدعاك إجابة. -قال: فتعجّبت من كلامه أكثر من إعجابى بغناه. ثمّ غيّر تلك الطريقة وانتقل إلى غيرها، فكانت أعجب وأغرب من الأولى. ثمّ غنّى <من الطويل>:
ألا يا حمامات اللّوى عدن عودة … فإنّى إلى أصواتكنّ حنين
فعدن فلمّا عدن كدن يمتننى … وكدت بأسرارهنّ أبين (12)
دعوت بترداد الهديل كأنّما … شربن سلافا أو بهنّ جنون
فلم ترا عينى مثلهنّ حمايما … بكين ولم تدمع لهنّ عيون
قال: فلم أملك نفسى دون صرخت ومزّقت أثوابى. -قال:
ونظرت إلى الشيخ، فإذا به يتبسّم. ثمّ أمسك وقال: أزيدك الثالث؟ -فقلت: بلى، يا عمّ، فلم أرا والله مثلك منذ خلقت. - فقال: صدقت، ومن لك بذلك؟ -قال: فتعجّبت أيضا من جوابه.