المعروفة كلاسيكيا، وغيّر ترقيمها، ووضع لكلّ منها عنوانا فرعيا ينظم ذلك الجزء تحت الفلك المناسب. فكان الفلك الأخير الذي يسود الكون (الأطلس) من نصيب الدولة المملوكية، والناصر محمد بن قلاون (693 - 741 هـ) السلطان المعاصر له.
وبسبب من اهتمام المؤلّف الخاصّ بمصر، فإنّ التأريخ لها على السنين في أجزاء التاريخ كلّه ظلّ بمثابة الخيط الناظم لتلك الأجزاء. وقد عنى ذلك بالنسبة للجزء الخامس الذي نقدّم له هنا أنه ينتهي بدخول الفاطميين إلى مصر؛ بحيث يصبح ما قبل ذلك تأريخا مستقلا للدولة العباسية، وينفرد الجزء السادس، بالتأريخ للفاطميين. لكنّ الاهتمام بمصر لا يقتصر على هذا. ففي كلّ عام من تاريخه المبني على مبدأ التأريخ على السنين يطلعنا ابن الدواداري على منسوب ارتفاع المياه في النيل بمصر، ووالي مصر وقاضيها وصاحب خراجها لذلك العام. بينما لا يلقى الوزراء وأصحاب الخراج الاهتمام نفسه خارج مصر حتّى في الجزء المخصّص للدولة العباسية؛ بل يكتفي ابن الدواداري بوضع قائمة بالوزراء والكتاب والحجّاب العاملين لدى الخليفة ببغداد في آخر سني خلافته، فيظل القارئ على وعي بأنّ المؤلّف مصري، وأنّ الأوضاع بمصر تظلّ نصب عينيه على مدى الزمان من ظهور الإسلام وحتى عصره. بيد أنّ هذه النزعة عند ابن الدواداري لا تعني «محلية» ضيقة أو عصبية متشدّدة لمصر. بل على العكس من ذلك؛ فإنّ ابن الدواداري بتاريخه العام يعرض لمصر باعتبارها في العصر المملوكي على الخصوص مركز دار الإسلام من الناحيتين السياسية والثقافية مثلما كانت بغداد في العصور العباسية الأولى.
وقد ثبتت هذه الأيديولوجيا وسادت، من خلال ما قام به سلاطين المماليك من أعمال جليلة على المستوى الإسلامي؛ من مثل نقل الخلافة العباسية إلى مصر، وردّهم لعادية المغول عن مصر والشام، وإخراجهم للصليبيين من المدن الساحلية الشامية-وأخيرا وليس آخرا من خلال حمايتهم للحرمين الشريفين،