ومدّ سيطرتهم عليهما. هذا الطابع العالمي للسلطنة المملوكية، كان الدافع وراء تلك الأعمال العلمية الشاملة انطلاقا من مصر وموقعها من مثل «كنز الدرر» لابن الدواداري، و «مسالك الأبصار» لمعاصره ابن فضل الله العمري (-749 هـ).وقد اختار ابن الدواداري للسلطان الناصر محمد بن قلاوون رمز فلك الأفلاك (الأطلس) الذي يسود العالم. إنّ هذا الدور الذي قامت عليه مصر من قيام على الإسلام، ورعاية للأمة؛ قوّى لدى المصريين إحساسهم بأهمية بلادهم، ووعيهم بالمسار التاريخي الذي أدّى إلى هذا الموقع العالمي لتلك البلاد، «كنانة الله في أرضه».بحيث صار التاريخ السابق كلّه بمثابة تمهيد يجدر ذكره وتتبّعه باتّجاه الموقع المستجدّ الذي تسنّمته مصر في العصر الذي شهد ابن الدواداري أزهى فتراته.
وما اكتفى ابن الدواداري في الجزء الخامس من تاريخه، بل وفي تاريخه كله بإيراد التاريخ السياسي للدولة والخلافة الإسلامية. فقد رأى أنّ الاقتصار على إيراد الأحداث السياسية متعب للقارئ ومثير للملل. وأراد أن يكون كتابه مقروءا ومفيدا في الأخبار والأسمار والآداب. ولذا لم يضع كتابه هذا للمختصين فقط. صحيح أنه استخدم الهيكلية التي استخدمها الطبري (-310 هـ) بالتأريخ على السنين لكنه بعد ايجاز الأحداث السياسية في كل عام، كان يعمد لإيراد أخبار وأشعار وأسمار ليست ذات طابع سياسي، بل تنتمي إلى مجالات علمية وأدبية أخرى غير السياسة والتاريخ. وما ظهر في النهاية هو أدنى إلى أن يكون تاريخا ثقافيا يتضمّن قطبين رئيسيين: التاريخ السياسي، والتاريخ الثقافي. لقد رأى أنه يتمتع بالكفاية العلمية لذلك بعد أن كان قد نشر عدة أعمال تتضمن مختارات أدبية في مجال الشعر والنثر. وهكذا كان في طليعة أولئك الذين كتبوا التاريخ بهذا الأسلوب.
وقد اعتبر ابن الدواداري، الذي كان يكتب في العصر المملوكي،