المثال الثالث: المسيء في صلاته، ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام وقال: ارجع فصل؛ فإنك لم تصل)، فالرجل قد صلى، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول له: (ارجع فصل؛ فإنك لم تصل)، والرجل لم يقل للنبي صلى الله عليه وسلم: أنا الآن قد صليت أمامك، واسأل فلاناً وعلاناً، لا، فهو لا يحتاج إلى كل هذا الكلام، فرجع في منتهى الأدب وصلى مرة أخرى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (ارجع فصل؛ فإنك لم تصل)، فرجع مرة ثانية بدون أي نقاش، وأعاده النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، وفي المرة الرابعة والرجل خائف بسبب ما يقال له، فأراد أن يعرف الخلل، فقال: (والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره)، أي: لو كنت أعرف غير هذا لصليت، (ما أحسن غيره فعلمني)، يعني: مشكلته ليست في الطاعة، إنما مشكلته أنه لا يعرف ويريد أن يعرف، وحين يعرف سيعمل بشكل جيد، ويريد أن يعرف لأجل أن يطيع ربه عز وجل.
فقال له صلى الله عليه وسلم: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، وافعل ذلك في صلاتك كلها)، فكانت مشكلة هذا الرجل: عدم الاطمئنان في الصلاة.
والشاهد أن الرجل ذهب في المرة الأولى والثانية والثالثة ليعيد الصلاة وهو في منتهى الصبر، فهو يسمع ليطيع، وما دام أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك، فلا بد من التنفيذ، ثم بعد ذلك كله يسأل بأدب جم: (والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره)، فلم ييأس ويضق من المسجد.
وقد يحذر الناس من الجانب السلبي الذي كان عند المسيء في صلاته، وهو عدم الاطمئنان في الصلاة، لكن تجدهم لا يهتمون بالجانب الإيجابي وهو الحرص على التعلم والعمل، والصبر على ذلك مرة ومرتين وثلاثاً، ولو قلت لشخص آخر: أنت لا تطمئن في ركوعك ولا في سجودك، ولا بد من أن تعيد الصلاة، سيقول لك: الله غفور رحيم، وإن شاء الله في الصلاة القادمة أهتم، ويمكن أن يتشاجر معك ويترك المسجد.
إذاً: هذا هو فهم الصحابة لقضية السمع للطاعة، {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285].