المثال الثاني: قصة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ففي البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم -يعني: أناس من المشركين والمنافقين- فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار! أعوذ بالله من النار! فلقينا ملك آخر، فقال لي: لن تراع -أي: لن تخاف، أراد أن يطمئنه- فاستيقظ عبد الله بن عمر، فأراد أن يذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه استحى لصغر سنه، فذهب إلى أخته السيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنها وأرضاها، وحكى لها الرؤيا وقال لها: قوليها لرسول الله عليه الصلاة والسلام، فقصت السيدة حفصة رؤيا عبد الله على النبي عليه الصلاة والسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات قليلة جداً، كان لها أثر عظيم في حياة عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)، فـ (لو) ليست للشرط، وإنما للتمني كما يقول ابن حجر في الفتح، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُعلِّق خيرية عبد الله بن عمر على قيام الليل، بل قال: (نعم الرجل عبد الله)، فهو يثني ويمدح عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ثم قال: (لو كان يصلي من الليل)، أي: لو أكمل حسنه بقيام الليل، والتقدير: لو كان يصلي من الليل لارتفعت قيمته.
وفيه إشارة واضحة بأن قيام الليل يقي من عذاب النار الذي رآه عبد الله بن عمر في المنام.
يقول نافع مولى عبد الله بن عمر: فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً.
يعني: ظل بقية عمره يقيم ليله بالعبادة بسبب حديث واحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام مدح عبد الله بن عمر، لكن لم يتكل عبد الله بن عمر على هذا المدح، ولم يعتمد على هذا الثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه استمر على القيام إلى أن توفي، وكان موته سنة (73) من الهجرة، وله من العمر (86) سنة، فبقي رضي الله عنه مواظباً على قيام الليل طويلاً، وكان لا ينام من الليل إلا قليلاً.
إنه منهج واضح جداً لفهم الإسلام، إنه منهج السماع للطاعة، سمعت حديثاً اشتغل به، سمعت آية اشتغل بها، وهكذا بما عندك من العلم.