المثال الأول: تحويل القبلة، فعندما أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وهذا الموضوع ليس سهلاً، فقد بقي المسلمون في المدينة المنورة متجهين إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً، وفجأة تغيرت القبلة إلى البيت الحرام، فقال اليهود والمنافقون للمسلمين: كأنكم لا تعرفون قبلتكم أين هي؟ فمرة تصلون إلى بيت المقدس، وأخرى ناحية البيت الحرام، فلم يفهموا الغرض والعبرة من التغيير، فقد كان الأمر اختباراً، والمسألة مسألة فتنة، والله سبحانه وتعالى قد قال: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة:143]، وهذا الكلام ليس فقط في أمر القبلة، وإنما في كل أمر من أوامر الدين، فالمؤمنون قالوا بمنتهى البساطة: سمعنا وأطعنا، سواء قيل لهم: صلوا ناحية بيت المقدس، أو قيل لهم: صلوا ناحية الكعبة، فالقضية واضحة جداً عندهم، وربنا قد قال شيئاً فالمؤمن يسمع ويطيع، حتى الذين كانوا في صلاة حين وصلهم الخبر لم ينتظروا الانتهاء من صلاتهم حتى يجلسوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ويقولون: لماذا هذا التغيير، أو غير ذلك من الأسئلة والمبررات؟ لا، لم يكن هذا الكلام شاغلاً لهم، بل بمجرد أن يتأكدوا أن الله سبحانه وتعالى قال كذا، أو رسوله صلى الله عليه وسلم قال كذا، لا بد من القيام به، ففي نفس الصلاة غيروا اتجاههم، فصلوا ركعتين باتجاه بيت المقدس، وركعتين باتجاه الكعبة، فهذا هو معنى قول: سمعنا وأطعنا، وهذا هو الفهم الحقيقي لمعنى العبادة لله عز وجل.
أما رد فعل المنافقين واليهود: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة:142]، وتأمل الرد الإلهي على هؤلاء، فلم يقل لهم: لأجل كذا وكذا، مع أن هناك حِكَمٌ ظهرت لنا من ذلك، وحِكَمٌ لم نعرفها، لكن الله قال لهم: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:142]، فالذي يريده الله سبحانه وتعالى اعملوا به، فله سبحانه المشرق والمغرب.