فإذا قد قضوا صلاتهم انتشروا فى الأرض يبتغون من فضل الله ويذكرون الله وقد مالت الشمس إلى الغروب، فرجعوا إلى بيوتهم وقابلوا أهلهم وجلسوا إليهم يتحدثون معهم ويلاطفونهم ويؤنسونهم لما سمعوا بالأمس من فضائله وثوابه، وناموا بعد صلاة العشاء وإذا بهم قائمون أمام ربهم فى الأسحار لهم دوى كدوى النحل وفى صدورهم أزيز كأزيز المرجل، وينصرفون بعد صلاة الصبح إلى أشغالهم فى نشاط الجندى وقوته كأن لم يتعبوا فى النهار ولم يسهروا فى الليل.
أليست المدينة إذاً يا سادتى مسجداً واسعاً فهل رأيتم فيها غير عبادة ودين؟ أو ليسوا عاكفين فى هذا المسجد الواسع طول النهار وطول الليل؟ وهل دار الفلك على زاوية أعمر من هذه الزاوية - إن كان لابد من هذا المصطلح - وأكثر منها منقطعين إلى الله .. ؟!!
وانظروا إلى مجالس الذكر والعلم فى المسجد وقد ضمت صنوفاً وأنواعاً من الناس فهذا هو الفلاح الذى رأيناه فى النهار على حافة حقله، وهذا هو الأجير الذى رأيناه ينزع الدلاء ويسقى النخيل فى بستان يهودى، هذا هو التاجر الذى رأيناه فى سوق المدينة يبيع، وهذا هو الصانع الذى وجدناه مشتغلاً بصناعته وليسوا الآن إلا طلبة علم، وقد هجروا راحتهم - وهم فى حاجة إليها بعد شغل النهار - وتركوا أهلهم وهم فى حنين إليهم، لأنهم