، ففيها الأسواق وفيها المزارع وفيها البساتين وفيها الأسر والبيوت وفيها التاجر وفيها الفلاح وفيها الملاك وفيها من يأكل بعرق جبينه وكد يمينه.
وهاهو ذا قد أسفر النهار والناس راجعون من المسجد النبوى فى سكينة ووقار ولكن فى خفة ونشاط، وهنا دكان يفتح فى السوق، وهنالك سكة تمشى فى الحقل وهذا بستان من نخيل يسقى وذلك أجير يشتغل فى حائط على أجرة يأخذها فى المساء قد اندفعوا إلى أشغالهم بما سمعوا من فضيلة كسب الحلال وعول العيال ولبَّوا مرضاة الله بالمال، قفوا منهم بجنب وارقبوهم عن كثب ترونهم خفاف الأيدى فى العمل ذلل اللسان بذكر الله - عز وجل -، عامرى القلوب بالحسبة، وطلب الأجر يحتسبون فى أشغالهم مالا يحتسب المصلى اليوم فى صلاته مقبلين بقلوبهم إلى الله وبقالبهم إلى شغلهم.
وماذا إذا أذن المؤذن؟
وها هو ذا قد أذن المؤذن فإذا بهم ينفضون أيديهم مما كانوا فيه كأن لم يكن لهم به عهد وكأنما نشطوا من عقال وخف إلى المسجد {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (?).