عادته، رحمه الله، ونزلنا إلى مواقف السيارات، فقلت له: يا شيخ معي نسخة من كتاب أود أن أعطيك إياه. فقال: من تأليفكم؟. قلت: نعم. قال: هذا شيء طيب، ويسعدني أن أقراه وأستفيد منه!. فقلت في نفسي: لقد أثقل الشيخ كاهلي بلطفه في المقابلة ثم بتواضعه هذا. وظننت أن الأمر يقف عند هذا الحد، لكنه لم يقف عند ذلك، بل مشى معي الشيخ بخطواته التي قيدها السن والمرض بعض الشيء، ومشى معي إلى السيارة مسافة عرض الموقف ليأخذ الكتاب، وكنت أظن أن هذه الوجهة هي وجهة سيارته، ولكنه أذهلني حينما رأيته بعد أن أخذ الكتاب قفل راجعا، فاعتذرت إليه، وتمنيت عليه لو لم يتجشم هذه الخطوات، ولو أخبرني بحقيقة الأمر لآتيه بالكتاب في مكانه!.
وقد أبدى لي السرور حينما رأى الكتاب، وقرأ العنوان، وهو: "الأخلاق الفاضلة: قواعد ومنطلقات لاكتسابها"؛ فقال: عظيم عظيم، كل إناء بما فيه ينضح. قلت له: يا شيخ! لكنني قلت في بعض تهويماتي: "قالوا: كل إناء بما فيه ينضح. قلت: ولكن بعض ما في الإناء يفضح".
فأجابني قائلا: لا، هم قالوا: كل إناء بما فيه ينضح. ثم رأيته بعد فترة طويلة؛ فشكرني على الكتاب وأثنى عليه ثناء عاطرا؛ فعلمت أن هذا اللطف والخلق الحميد قد أصبح طبعا لا ينفك عن الشيخ، ولا الشيخ ينفك عنه، وأن من الصعب أن أجاريه، فضلا عن أن ألحقه أو أكافئه، وأيقنت أن هذا من أساليبه الحسنة في الدعوة إلى الله تعالى.
فجزى الله الشيخ عمر عنا وعن الإسلام والمسلمين خير ما يجزي به