وقد روى عن عمر أنه قال: بقية عمر المرء لا قيمة له يدرك [به] ما فات، ويحيي به ما مات، ويبدل حسناته سيئات.
أما إذا فعل [ذلك] بعد الحشرجة والمعاينة فلا ينفعه ذلك، قال الله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ} الآية [النساء:17].
واحترز الرافعي بقوله: ((ترك مثل ذلك في الحال)) عن الإقلاع عن معصية [خاصة] يوقعها بشخص [دون شخص]، فإن التوبة لا تحصل منها، وفيه تنبيه على مذهبنا: أنه لا يشترط في صحة التوبة عن معصية الإقلاع عن كل المعاصي كما حكاه القاضي أبو الطيب، خلافًا للمعتزلة، فإنهم اشترطوا ذلك.
وإن تعلق بالمعصية حق مالي: كمنع الزكاة، وكذا الكفارات- كما قاله البندنيجي، وفيه نظر إن لم نوجبها على الفور- وكالغضب والجنايات الموجبة للمال، فيعتبر [مع] ما ذكرناه في صحة التوبة: أن يخرج من ذلك الحق حسب الإمكان، فيؤدي الزكاة، ويرد المغصوب على الوجه المأمور به شرعًا إن كان باقيًا، وبدله إن كان تالفًا، أو يستحل فيبرئه المغصوب منه إن كان حيًا، فإن كان قد مات فعل ذلك مع وارثه.
وإن غاب وانقطع خبره، دفعه إلى قاض يعرف سيرته وديانته، فإن تعذر تصدق به على الفقراء بينة الغرامة له، [كذا] ذكره العبادي في ((الرقم))، والغزالي في غير كتب الفقه، وهذا إذا كان موسرًا، فلو كان معسرًا، عزم على الأداء إذا أيسر.
قال أبو الطيب: ومتى أيسر أداه.
فلو مات قبل أن يغرم، قال الرافعي: فالمرجو من فضل الله- تعالى جده- المغفرة.
وإن تعلق بالمعصية حق غير مالي، فإن كان حدًا لله تعالى: كما إذا زنى، أو سرق أو شرب الخمر- فإن لم يظهر ذلك بشهادة، قال القاضي أبو الطيب: فالأفضل أن يستر نفسه.