ثم قد يقال: إنه احترز بما ذكره عما إذا ردت شهادته في القذف، لنقصان العدد إذا أوجبنا عليه الحد، فإنه لا يجب الاستبراء عند الجمهور، ولا يقال: إن نفس إقدامه على الشهادة بذلك معصية، لأن العدد لو تم عمل بقوله، ولو كان نفس الإقدام معصية لما عمل به، لما سنذكره عند الكلام في حد شهود القذف، لكن إطلاق الأصحاب القول بتفسيقه بناء على إيجاب الحد عليه يدل على أنه معصية، وحينئذ فيكون كلام الشيخ يشمله، ويقتضي وجوب الاستبراء، وهو خلاف ما أورده الأصحاب كما عرفته.
واعلم أن التوبة في الباطن التي تتبعها التوبة في الظاهر المرتب عليها غفران الذنب وغيره تحصل- كما قال الأصحاب فيما إذا كانت المعصية لا يتعلق بها حد لله تعالى، ولا مال، ولا حق للعباد: كوطء الأجنبية فيما دون الفرج، وتقبيلها، والاستمناء، ونحو ذلك- بأمرين: الندم على ما كان، والعزم على ألا يعود إلى ذلك في المستقبل.
قال القاضي أبو الطيب: وقد يعبر عن ذلك بعبارة أخرى، فيقال: أن يستغفر الله تعالى عما مضى، ويترك الإصرار في المستقبل، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران:135]، هذا هو العزم على ألا يعود، كذا قاله البندنيجي والقاضي أبو الطيب والماوردي وابن الصباغ والبغوي.
وذكر الرافعي وغيره من المتأخرين أمرًا ثالثًا: وهو ترك مثل ذلك في الحال، فإذا فعل ذلك لله تعالى قبل الحشرجة والمعانية، قبلت توبته عما ذكرناه وعن فإذا فعل ذلك لله تعالى قبل الحشرجة والمعاينة، قبلت عما ذكرناه وعن غيره بالشرط الذي سنذكره، لقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الآية] [الشورى:25]، وقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]، وقوله تعالى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر:3]، وقوله- عليه السلام-: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)).