قلت: كلام الأصحاب كالمصرح بأن هذا غير معتبر في التوبة الباطنة بين العبد وربه، وإنما هو معتبر في التوبة الظاهرة، وقول الشيخ: ((ثم تاب))، المراد به: التوبة الباطنة، وقوله: ((لم تقبل شهادته حتى يستمر على التوبة))، يعود إلى التوبة الأولى، لأنه أتى فيها بالألف واللام، فعادت إلى ما ذكر أولًا، كما في قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 15،16].

وإذا كان ذلك اتجه السؤال، لكن للمعترض أن يقول: مراد الشيخ بقوله: ((ثم تاب)): التوبة الظاهرة التي تشمل ما ذكرته وغيره، لأن قوله بعد ذلك: ((حتى يستمر على التوبة سنة))، يعود إلى الأولى.

وقد اتفق الأصحاب على أن التوبة الظاهرة بما ذكرناه لابد منها مع التوبة الباطنة، فتعين أن المراد بما ذكره أولًا: التوبة الظاهرة، وعلى [هذا] ينتفي السؤال، وهو الأحسن، لأن الدعوى أن مراد الشيخ بالتوبة التي ذكرها أولًا: الباطنة لا دليل عليه، والله أعلم.

واحترز الشيخ بقوله: ((ومن ردت شهادته، لمعصية غير الكفر، أو لنقصان مروءة)) عما إذا ردت شهادته، لأجل الغلط، فإنه لا يستبرأ، كما صرح به البغوي والرافعي، وعما إذا ردت شهادته، لحرصه على أدائها قبل الاستشهاد، إذا قلنا: إنه يصير به مجروحًا، كما سنذكره، فإنه لا يحتاج إلى استبراء، كما صرح به البغوي.

لكن في ((النهاية)) في باب الشهادة على الجناية: أن الأصحاب قالوا: يستبرأ أيضًا، ولا يبلغ استبراؤه مبلغ استبراء الفاسق، بل يقرب.

[وحد القاضي ذلك في ((تعليقه)) بيومين أو ثلاثة،] فإن الغرض يحصل لنا بأن يبين لنا شبهة لإقامة الشهادة في حينها ووقتها، وترك ما يدل على غرضه في الثبوت والابتداء.

وهذا المسلك وإن كان ظاهرًا فليس علي أوثره وأحبه، وهذا ذكره تفريعًا على قولنا: إنه لو أعاد تلك الشهادة لم تقبل، وأنه يشترط على هذا- أيضًا- أن يتوب عما جرى منه، ويذكر أنه لا يعاود مثله، ولا يبادر الشهادة قبل الاستشهاد، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015