قلت: ويظهر أن يتخرج على هذا ما إذا ادعى أولاد ميت على شخص بدين ورثوه من أبيهم، فأسقط أحدهم حقه، وأراد أن يشهد به، فعلى الوجه الثاني: لا تسمع، [لأنها] شهادة للأب، وعلى الأول: ينبغي أن تسمع.
ويمكن تخرجي الخلاف في هذه الصورة على أن الورثة إذا أقاموا شاهدًا واحدًا، [بالدين لمورثهم، وراموا الحلف معه- فهل يحلف كل واحد] على كل الدين، لأنه يثبته [لنفسه، لا] لمورثه، أو يحلف أنه يستحق بطريق الميراث عن مورثه من جملة كذا- كذا وكذا؟ فيه خلاف حكاه ابن أبي الدم:
فعلى الأول: لا تسمع، لأن الشهادة تكون للأب.
[و] على الثاني فهو محل النظر.
واعلم أن ما ذكرناه في رد شهادة العدو محله إذا كانت العداوة لأمر دنيوي- كما ذكرنا- أما إذا كانت لأمر ديني، كعداوة المسلم للكافر، والدين للفاسق، بسبب فسقه، كما قاله الرافعي، والجلاد للمضروب في الحد، كما قاله القاضي الحسين- فلا تمنع الشهادة عليهم.
وكذا لو قال العالم: لا تسمعوا الحديث من فلان، فإنه مخلط، [و] لا تستفتوا منه، فإنه لا يحسن الفتوى- لم يقدح ذلك في قبول شهادته، كما حكاه الرافعي عن النص.
نعم: شهادة الكافر على المسلم وغير المسلم لا تسمع، كما تقدم.
وشهادة أهل الباطل في الاعتقاد من أهل القبلة، هل تسمع على أهل الحق وغيرهم؟ قال الشافعي في ((المختصر)): ((ولا أرد شهادة الرجل من أهل الأهواء، إذا كان لا يرى أن يشهد لموافقيه بتصديقه وقبول يمينه، ولشهادة من يرى كذبه شركًا بالله تعالى، ومعصية تجب بها النار- أولى بطيب النفس بقبولها ممن يجوز المأثم فيها)) أي: من أهل الأهواء- أيضًا- كما قاله ابن سريج، لا من أهل الحق.
وقد اختلف الأصحاب بعد ذلك:
فذهب ابن القاص وابن أبي هريرة وغيرهما إلى إجراء هذا اللفظ على ظاهره، فلم يردوا شهادة أحد من أهل الأهواء والبدع من أهل القبلة إلا الخطابية الذين