ولأن من أطرح التحفظ في حق نفسه، كان أولى أن يقل تحفظه في حق غيره. وقد تكلم الأصحاب في ضبط المروءة، واختلفت عباراتهم مع تقاربهم:

فمن قائل: حفظ المروءة: أن يصون نفسه عن الأدناس، ومما يشينها عند الناس.

ومن قائل: أن يسير بسيرة أشكاله وأمثاله، من أهل عصره في زمانه ومكانه.

ومن قائل: أن يحفظ نفسه من فعل ما يسخر به، ويضحك عليه بسببه.

والمرجع فيها إلى العرف والعادة، فقد يكون الشيء مروءة لقوم، وتركه مروءة لآخرين، فإن السوقي لو تطيلس كان تاركًا للمروءة، وهو من الفقيه مروءة، والفقيه لو تمنطق وتقلنس، يكون تاركًا للمروءة، وذلك من الشرطي مروءة.

قال الإمام: وكل هذا في ضبط ما لا يحرم في نفسه، ولو أقدم عليه المقدم لم يأثم ولم يعص، فإن حق الكلام في المروءة أن تفصل عن مقارفة الذنوب، والأقرب فيه أن يقال: كل انحلال عن انفصام المروءة يشعر بترك المبالاة والخروج عن المماثلة، فهو يسئ الظنون بالتحفظ بالشهادة.

وقال الماوردي: المروءة على ثلاثة أضرب:

ضرب يكون شرطًا في العدالة، وهو مجانبة ما يسخف من الكلام المؤذي، أو الضحك، وترك ما قبح من الفعل الذي يلهو به، أو يستقبح، لمعرته أو أذيته، فمجانية ذلك من المروءة التي هي شرط [في] العدالة، وارتكابها مفض إلى الفسق، وكذلك نتف اللحية من السفه الذي ترد به الشهادة، وهكذا خضابها سفه ترد به الشهادة، لما فيها من تغيير خلق الله.

وفي ((البحر)) في الفروع المذكورة بعد كتاب الأقضية إبداء ما ذكره الماوردي في نتف اللحية احتمالًا موجهًا [له] بقوله صلّى الله عليه وسلّم: ((إذا أبغض الله عبدًا ألهمه أكل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015