وأيضًا: فإن دليل الخطاب إنما نقول به في الموضع الذي لا يئول إلى إبطال نطقه، أما إذا أدى إلى إبطال نطقه فلا نقول به، لأن النطق أقوى منه، لأنه أصله، والأصل إذا بطل طل الفرع، والأمر ها هنا كذلك، والله أعلم.

قال: ولا تقبل ممن لا مروءة له: كالكناس، والنخال، والقمام- أي: الذي يجمع القمامة- بضم القاف- وهي الكناسة، ويحملها، والفعل منه: قم، يقم- والقيم في الحمام، والذي يلعب بالحمام- أي: مثل أن يتخذها، ليطيرها، وينظر تقلبها في الجو، ويشغله ذلك عن إيقاع الصلوات في وقتها، كما ذكرناه في اللعب بالشطرنج، أو يقترن بذلك قمار، كذا صوره أبو الطيب وغيره.

والقوال، أي: المعنى للناس، سواء أتوه إلى موضعه أو أتاهم، دون ما إذا كان لا ينسب نفسه إليه، وإنما يترنم لنفسه، فإنه لا ترد شهادته.

والرقاص، أي: الذي يعتاد الرقص، يقال: رقص يرقص رقصًا.

والمشعوذ، ومن يأكل في الأسواق، أي: ينصب مائدة، وهو مما لا يعتاد مثله ذلك، دون من عادته أن يأكل القليل على باب دكانه، لشدة جوعه، كما قاله البندنيجي، أو كان ممن عادتهم أن يتغدوا في الأسواق: كالصباغين، كما قاله القاضي الحسين.

وكذا السماسرة الذين لا حشمة لهم، ولا وجاهة.

ويمد رجله عند الناس- أي: من غير مرض، كما قاله البندنيجي- ويلعب بالشطرنج على الطريق، وكذا كشف ما ليس بعورة من بدنه، والحكايات المضحكة، وذكر أهل وزوجته بالسخف، كما ذكره ابن الصباغ، ونحو ذلك.

والأصل في هذا: أن حفظ المروءة من دواعي الحياء ووفور العقل، فطرحها إما أن يكون لخبل [في العقل] ونقصان، أو لقلة حيائه ومبالاته بأمر نفسه، وعلى كلا التقديرين، فعدم الثقة بقوله حاصل: أما المخبل فظاهر، وأما الآخر، فلأن من لا حياء له، صنع ما شاء، روى أبو مسعود البدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ((مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015