شهادته بطرحه المروءة، وإظهاره السفه، فإذا لم يكن ذلك معها، لم ترد شهادته من قبل الاستحلال، وهذا نص صريح على الفرق.
قال القفال: وعلى هذا: لو نكح بغير ولي، ووطئها، فإن اعتقد الإباحة لا ترد شهادته، وإن اعتقد فساده ردت شهادته، وعليه يدل نص الشافعي الذي حكاه في ((البحر)) بعد ذلك: أن الشافعي قال: والمستحل لنكاح المتعة، والمفتي بها، والعامل بها- لا ترد شهادته، ولا يحد.
وعلى هذا- أيضًا- لو شرب من لم يعتقد الإباحة في ذلك ولا الحظر، ما لا يسكر من النبيذ مع علمه باختلاف أهل العلم في إباحته وحظره- قال في ((الحاوي)): ففي فسقه ورد شهادته بعد وجوب الحد عليه، وجهان لأصحابنا:
قال البصريون: هو فاسق مردود الشهادة، لأن ترك الاسترشاد في الشبهات تهاون بالدين، فصار فسقًا.
وقال البغداديون: هو على عدالته وقبول شهادته، لأن اعتقاد الإباحة أغلظ من الشرب كما ذكرنا، ولو اعتقد الإباحة لم يفسق.
[وحكم المقلد فيما ذكرناه حكم مقلده إذا فعل، صرح به في ((البحر)) وغيره.
ولا خلاف أنه إذا شرب من النبيذ ما أسكره: أنه يفسق]، لقيام الإجماع على أن السكر حرام، وما ألحقه الشافعي من عصير العنب بالنبيذ إذا كان مختلطًا، فهو- كما قال الماوردي- إذا خلط بالماء قبل أن يصير مسكرًا، [أما إذا خلطه بعد أن صار مسكرًا] فهو كالخمر.
وكما يفسق شارب الخمر يفسق بائعها، لأنه- عليه السلام- لعنه كالشارب، ولا يفسق عاصرها ومعتصرها وإن شملتهما اللعنة.
قال الرافعي: لأنه قد لا يتخذها خمرًا، ولهذه العلة قلنا لا يفسق أيضًا إذا باع العصير ممن يعلم أنه يتخذه خمرًا.
ولفظ القاضي أبي الطيب يفهم خلافه، فإنه قال: إذا باع العصير من رجل، نظر: فإن كان لا يعلم أنه يعمله خمرًا، فإن ذلك لا يؤثر في عدالته، لأنه لا يعلم حقيقة ما يفعل به، لأنه ربما فعل به غير الخمر.