الثاني: أن الغرض بالحد الزجر والردع، ويحتاج شارب القليل إلى الردع عنه، لأنه قد يدعوه إلى كثيره، وربما سكر منه، ورد الشهادة مأخذه عدم الثقة بقوله، وإذا لم يعتقد التحريم لم تسقط الثقة بقوله.
الثالث: إن الحد إلى الإمام، فاعتبر فيه اعتقاده، ورد الشهادة يعتمد عقيدة الشاهد، ولهذا لو غصب جارية، ووطئها على اعتقاده: أنه يزني، ثم تبين أنها كانت مملوكة [له]- فسق، وردت شهادته.
ولو وطئ جارية الغير عن ظن أنها جاريته، لا ترد شهادته.
وعلى هذا لو كان الشارب لما لا يسكر من النبيذ يعتقد التحريم- كالشافعي- ففي رد شهادته بذلك وجهان:
أحدهما: لا ترد، لأنه اعتقد تحريمه بطريق مظنون، فالشبهة فيه قائمة، ولأن استحلال الشيء أشد من فعله، ولهذا لو استحل الزنى كفر، ولو فعله لم يكفر، وإذا لم ترد شهادة مستحل الشرب، فشهادة الشارب أولى، وهذا يحكي عن ابن أبي هريرة، ولم يحك القاضيان: أبو الطيب والحسين في ((تعليقهما)) سواه، وعيه يدل النص في ((المختصر)) حيث قال: ومن شرب سواها- أي: سوى الخمر الصرف من المنصف، أو الخليطين- فهو آثم، ولا ترد شهادته إلا أن يسكر، وإنما يؤثم من يعتقد التحريم، ولهذا رجحه ابن الصباغ والمصنف والمتأخرون من الأصحاب، كما قال في ((البحر)).
وعلى هذا فإنما يحكم بالفسق ورد الشهادة إذا ارتكب مجمعًا على تحريمه، لأن من فعل ما لا شبهة له فيه، يكون مقدمًا على مقطوع بتحريمه، فيخاف منه شهادة الزور المحرمة بالإجماع.
والثاني- ويحكى عن أبي إسحاق-: أنها ترد، لأنه [إذا] ارتكب ما يعتقده محظورًا، لم يؤمن جراءته على شهادة الزور وسائر المحظورات، وهذا ما أورده الإمام، كما قال الرافعي والماوردي، وقال ابن الصباغ: إن القاضي حكاه في ((المجرد))، وحكى في ((البحر)): أن القاضي أبا الطيب وجماعة رجحوه، وعليه ظاهر النص، فإنه قال في ((الأم)): وإذا كان الرجل المستحل [الأنبذة] يحضر مع أهل السفه الظاهر، ويترك لها حضور الصلوات، وينادم عليها- ردت