قال: ولا يقضي وهو غضبان ولا جائع، أي: جوعاً شديداً، ولا عطشان، أي كذلك، ولا مهموم، أي: [همّاً] كبيراً، ولا فرحان، أي: كذلك، ولا يقضي والنعاس يغلبه، ولا يقضي والمرض يقلقه، ولا يقضي وهو حاقن، أي: يدافع البول، ولا حاقب، أي: يدافع الغائط، ولا في حر مزعج، ولا برد مؤلم.
والأصل في ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يَقْضِي الحَاكِمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ" كما أخرجه البخاري ومسلم، ورواية الشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَينِ وَهُوَ غَضْبَانُ".
قال الأصحاب: ومعلوم أنه ما أراد الغضب نفسه، وإنما أراد [الاضطراب الذي يحصل بالغضب. وهذا أخذوه من قول الشافعي- رضي الله عنه-: ومعقول في قوله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ- أَوْ: لَا يَقْضِي القَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ- وَهُوَ غَضْبَانُ"، أنه أراد] أن يكون القاضي حين يحكم في حال لا يتغير فيها عقله [ولا خلقه، وإذا كان كذلك فهذه الأحوال يتغير فيها عقله]؛ فالنهي عن الحكم فيها مأخوذ من النص، ويؤيده أنه جاء في رواية عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه- وهو راوي حديث مسلم والبخاري السابق- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يَقْضِي [القَاضِي] وَهُوَ غَضْبَانُ وَلَا مَهْمُوْمٌ وَلَا مُصَابٌ،"، وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَقْضِي الحَاكِمُ [إِلَّا] وَهُوَ شَبْعَانُ