والثاني: أن [في] الولائم ظنة ليست في العيادة والجنازة؛ فكان العموم فيها مزيلاً للظنة.

قال القاضي أبو الطيب- وهو في "البحر" [أيضاً]-: ولأن [في] عيادة المرضى والجنائز كثرة، وفي حضورها كلها مشقة شديدة وانقطاعه عما عليه من النظر، وفي ترك البعض تفويت للأجر بالكلية، ولأن ما لا يمكن استيعابه لا يكون تخصيص البعض دون البعض [فيه]، ميلاً وتفضيلاً.

قال [القاضي] أبو الطيب: ألا ترى أنه لو أصلح [هو] دعوة، كان له أن يدعو البعض [ويدع البعض]؛ لعدم إمكان الاستيعاب، وهذا بخلاف الولائم، فإنها قليلة في العادة، والاستيعاب لا يقطعه.

قال في "الشامل": ويقدم [فيها] الأقرب فالأقرب.

وقد ألحق الماوردي والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ والبندنيجي والبغوي والمصنف في "المهذب" مقدم الغائب بالعيادة؛ نظراً إلى الكثرة.

وحكى في "البحر" أن ابن المرزبان قال: سمعت القاضي أبا حامد يقول: الصحيح أن يعود الكل أو يترك الكل، وكذلك في الجنازة ومقدم الغائب.

قال الروياني: وهذا بخلاف ما قاله [سائر أصحابنا]، والشافعي ذكر ذلك في إجابة الوليمة دون غيرها؛ فلا يصح هذا القول.

قلت: وإذا عرفت ذلك علمت أن الشيخ في هذا الكتاب أخذ بقول القاضي أبي حامد في مقدم الغائب؛ لقربه من حضور الولائم في الظنة [به] وإمكان تصنعه، وبقول باقي الأصحاب في عيادة المرضى وشهادة الجنائز، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015