قال الشافعي- رضي الله عنه-: ويعتذر إلى [الذي يدعوه ويعرفه اشتغاله] بالحكم، ويسأله أن يحلله.
قال في "البحر": والأولى في زماننا هذا ألا يجيب أحداً؛ لأن السرائر قد خبثت، والظنون قد تغيرت، ولكنه يعتذر إليهم، ويسألهم التحلل.
وألحق في "الإبانة" بحالة الكثرة ما إذا وجد من طبعه [أنه لا] يجيب غير الداعي إذا دعاه، وقال: إن محل [جواز] الإجابة ما إذا كان يجد من طبعه أنه يجيب غيره.
ثم ظاهر ما حكيناه من تعليل القاضي أبي الطيب بجواز حضوره الولائم، يقتضي استحباب الإجابة في وليمة العرس وغيرها، وعليه ينطبق قول البغوي: ولا يستحب للقاضي التخلف عن الولائم إذا دعي إليها، خصوصاً وليمة العرس والختان.
قال: ويعود المرضى ويشهد الجنائز؛ لما في ذلك من وافر الأجر، وكامل الثواب، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عَائِدُ المَرِيضِ فِي مَخْرَفٍ مِنْ مَخَارِفِ الجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ".
والمخرف: البستان، وقيل: الطريق، قاله القلعي.
وَعَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَابِراً وَسَعْداً فِي مَرَضِهِمَا، وَعَادَ غُلَاماً يَهُوْدِيّاً فِي جِوَارِهِ، وَعَرَضَ عَليْهِ الإِسْلَامَ فَأَجَابَ.
قال: فإن كثرت عليه، أتى من ذلك ما لا يقطعه عن الحكم.
قال الماوردي: والفرق بين هذين وحضور الولائم من وجهين:
أحدهما: أن الولائم من حقوق الداعي؛ فاستوى [جميع] الدعاة في استحقاق الإجابة والعيادة، وحضور الجنائز من حقوقه؛ لأنه يقصد [به] الثواب؛ فجاز أن يخص.