عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع [من وجع] أشفيت منه على الموت, قلت: يا رسول الله, بلغ منى الوجع ما ترى, وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة, أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: "لا", قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: "لا", قلت: فالثلث؟ قال: "الثلث, والثلث كثيرٌ؛ إنك أن تذر ورثتك أغنياء, خير لك من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس. ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله, إلا أثبت عليها, حتى اللقمة تجعلها في فِي امرأتك".
وأراد سعد بأنه ليس من يرثه, [أي: من ذوي] الأنصباء, أو من [بني] الأولاد, وإلا فبنو عمه من بني زهرة, وفيهم كثرة. ومعنى قوله – عليه السلام -: "عالة" أي: فقراء, كما قاله الأزهري, وقال الجوهري: العيلة والعالة: الفاقة. ويتكففون الناس: أي: يسألون الصدقة بأكفهم.
وقد قال ابن الصباغ: في هذه الحالة التي ذكرها الشيخ يكون الاستحباب [في الوصية] بالربع فما دونه. وقال القاضي أبو الطيب: إن كان ورثته لا يفضل ماله عن غيابهم, فالأفضل ألا يوصي. وفي الرافعي إطلاق القول بأن المستحب ألا يستوفي الثلث؛ للخبر, ولما روى عن علي – رضي الله عنه – أنه قال: لأن أوصي بالخمس أحب إلى من أن أوصي بالربع, ولأن أوصي بالربع أحب إلى من أن أوصي بالثلث, فمن أوصى بالثلث فلم يترك. وهذا ما حكاه الروياني عن بعض أصحابنا بخراسان.
قال: وإن أوصى بأكثر من الثلث ولا وارث له, بطلت الوصية فيما زاد على الثلث, أي: وصحت في الثلث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أعطاكم عند وفاتكم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم"؛ فدل على عدم ملكه لما زاد على الثلث. ولأن