قلت: لكن كلام البندنيجي والقاضي الحسين يقتضي تصوير محل خلاف المزني بما قاله أبو إسحاق:
أما البندنيجي فإنه قال: إذا وقع النزع والطلوع معاً؛ بأن جعل الفجر يطلع، وجعل هذا ينزع – لم يقدح ذلك في صومه.
وقال المزني: فسد صومه، وعليه القضاء.
وأما القاضي الحسين فإنه قال: إذ طلع الفجر، وهو على الجماع، لم يصح صومه.
قال أصحابنا: وتأويل المسألة: أنه أولج قبل الفجر، ثم ابتدأ في النزع مع الطلوع؛ فلم يصادفه حالة الطلوع وهو على الجماع؛ بأن يكون على موضع عالٍ فرأى أمارات الفجر، ونزع، فصادف نزعه حالة الطلوع؛ فإنه صومه لا يفسد، وهو قول الكافة إلا المزني وزفر؛ فإنهما قالا: يفسد صومه، وعليه القضاء.
[و] في شرح ابن التلمساني: أن الإمام قال في "النهاية": إن محل عدم الفطر إذا خالط [بالسحر] على ظن المهلة، فأدركه الفجر وهو كذلك، ثم نزع، أما إذا خالط قريباً من الفجر، بحيث يدركه الفجر، وهو كذلك، ثم نزع، أما إذا خالط قريباً من الفجر، بحيث يدركه الفجر، وهو على حاله، فإذا وجد النزع مع الطلوع، أفطر؛ لأن ما حصل من النزع بسبب ما ورط فيه نفسه بتفريطه.
فإن قيل: أول الفجر لا ينضبط، فلابد أن يتقدم الطلوع على علمه؛ فيكون قد وجد منه الجماع نهاراً.
قلنا: قال الشيخ أبو محمد: في ذلك احتمالان:
أحدهما: أن هذا تقدير قدره الفقهاء، ولا يتصور تحقيقه عرفاً.
والثاني: أن الحكم تعلق بالمحسوس الذي يتعلق العلم به، وما يتقدم عليه وإن كان معلوماً بالفعل فلا اعتبار [به] كما نعلم أن الزوال يتقدم على ما يبدو للناظر من تحول الظل، ولكن يرتبط التكليف بما يظهر حساً.