وإن كان ممن لا يتصرف ولا يتجر فقد يتمكن من نصب عامل يحسن التجارة؛ فيرجع الترتيب إلى ما تقدم، وإن عسر هذا وأمكن تصوير العسر فيه فالظاهر عندي: ألا يزاد على نفقة سنة؛ فإن للسنة اختصاصاً بالزكاة فإنها تبج في السنة مرة، وهي في كفاية المحتاجين تنزل منزلة النفقة الحاجية في كفاية من [ينفق] الإنسان عليه، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدَّخر لأهله قوت سنة.
وسنذكر في الأطعمة أو حيث يتفق: أن المجاعة إذا عظمت فلا يدخر الإنسان لنفسه وعياله إلا قوت سنة؛ فيجب التعويل على هذا، وما ذكره من اعتبار السنة قد قدمنا حكايته عن غيره، وما ادعاه من أنها في كفاية المتحاجين تنزل منزلة النفقة الحاجية أخذه من كلام القاضي الحسين؛ فإنه قال ذلك، وقال في أوائل كتاب الزكاة: إنه قيل: لو أخرج الأغنياء جميع ما يجب عليهم من حقوق الله تعالى، ولا يزيد الفقراء في السؤال على قدر الحاجة- ما بقي في الدنيا خلَّة إلا وقد انسدّت.
قال: فإن رآه قويّاً، وادعى أنه لا كسب له، أي: واتهمه - أعطاه من غير يمين، أي بعد وعظه وتخويفه، لما روي: أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفع فيهما النظر وخفضه، فرآهما جلدين، فقال: "إن شئتما أعطيتكما، ولاحظ فيها لغنيّ ولا لذي قوّةٍ مكتسب"، أخرجه أبو داود، ورواه الطحاوي في "بيان المشكل". ووجه الدلالة منه: أنه لم يعلق إعطاءه بحلفهما، وهذا أصح في "التهذيب".
وقيل: يعطي بيمين؛ لأن الظاهر أنه مكتسب وأنه لا يستحق، وهذا ما أورده العراقيون، وقال الرافعي: إن من الأصحاب من يقول: تحليفه عند التهمة واجب أو مستحب؟ فيه وجهان، قال: ويشبه أن يكون المراد منهما شيئاً واحداً، لكن الغزالي في "الوسيط" جمع بينهما، فقال – تبعاً للإمام – في تحليفه وجهين: إن حلفناه فهو