الشَّافِعِيُّ - رضِي الله عنه - فِي حنفيٍّ شرب نبيذًا يعتَقِد حلَّه ثم رفع إليه: أحدُّه وأقبَلُ شهادته، قال أصحابُه: إنما حدَّه لأنَّ العبرة بعقيدة الحاكم لا الخصم، وإنما قَبِلَ شهادته لأنَّه أقدَمَ على جائزٍ فِي اعتقاده، وهذا هو الصَّواب فِي هذا البحث فاحفَظْه لئلاَّ تزلَّ فيه قدمُك كما زلَّ فيه قدم صاحب ذلك الكتاب، فإنَّه استدلَّ على عدم التعزير بالحديث السابق، وبما نقَلَه عن الشَّافِعِي: إنَّ الله لا يُعذِّب على فعلٍ اختَلَف العلماء فيه، فالتبس عليه الأمر الأخروي بالأمر الدنيوي، وقد علمتَ ما بينهما من الفرق الواضح.
ثم ظاهِرُ كلامه أنَّ مجرَّد كون الفعل مختلفًا فيه يمنع [من] العقاب عليه، وهو خِلافُ الإجماع كما قالوا الأئمَّة، وإنما شرْط ذلك أنْ يعلم القائل بذلك، وأنَّه من المجتهدين، وأنَّه من الذين يَجُوزُ تقليدهم، ثم بعد ذلك كلِّه يُقلِّده تقليدًا صحيحًا، بألاَّ يترتَّب عليه تلفيق التقليد، وإلا لم يجزِ اتِّفاقًا، كما إذا قلَّد الشَّافِعِيُ مالكًا فِي (?) نجاسة الكلب، ولم يمسحْ رأسه كله، أو لم يُوالِ فِي وضوئه مثلاً، كما هو مقرَّر فِي الأصول، فاستَفِدْ ذلك فإنَّ كثيرين يزلُّون فيه؛ اعتقادًا منهم أنَّ مجرَّد الاختلاف فِي الشيء [ز1/ 37/أ] يمنَع العقاب عليه، وليس كذلك كما علمت: وإنما قُلنا: يجوز تقليده؛ لأنَّ كثيرين من المجتهِدين الخارجين عن الأئمَّة الأربعة لا يجوزُ تقليدهم كما هو مُقرَّر فِي كتب الفقه والأصول، ألا ترى إلى ما جاء عن عطاء فِي إباحة [إعارة] الجواري للوطء، وعن آخَرين فِي تحليل المطلقة ثلاثًا، وَعَن الأعمش فِي الأكْل فِي رمضان بعد الفجر وقبل طُلوع الشمس، ونحو ذلك من