مذاهب المجتهِدين الشاذَّة التي كاد الإجماع أنْ ينعقد على خِلافها، فهذه كلُّها لا يجوز تقليد أربابها، ومَن قلَّدهم فهو آثِمٌ فاسق يحدُّ ويُعزَّر إجماعًا بموجب فعله.
وبهذا يتَّضح لك خطَأُ ذلك الرَّجُلِ فِي إيهامه أنَّه يجوزُ تقليدُ غيرِ الأئمَّة الأربعة مطلقًا، وما درى المسكين أنَّ لذلك شروطًا كثيرةً أشَرتُ إليها بينه وبينها خرطُ القتاد (?)، وليس مجرَّد الاختِلاف مُسوِّغًا للهُجوم على الفعل، بل لا بُدَّ من جميع شُروط التقليد كما هو مقرَّر ومحرَّر فِي كتب الأصول، ولكنَّ الجهل بذلك يُوجِب الوُقوع فِي أوعَرِ المسالك، وقد ذكَر الأئمَّة أنَّه لا يجوزُ لمفتٍ ولا لقاضٍ تقليدُ غير الأئمَّة الأربعة، قالوا: لا لنقصهم؛ لأنَّ الصحابة وتابِعِيهم ساداتُ الأمَّة، وإنما هو لارتفاع الثقة بشُروط مَذاهبهم وتحقيقاتها وصُورها، فإنها أقوالٌ فِي جُزئيَّات مُتعدِّدة، ولم يعلمْ لهم قواعدُ يُرجَع إليها، ولا شروطٌ وتقييداتٌ يُعوَّل عليها، وارتفعت الثِّقة بها لأنَّها لم تُحرَّر وتُدوَّن بخلاف المذاهب الأربعة؛ فإنها حُرِّرتْ ودُوِّنت وتعاقَبتها الآراء، [ومَحَّصَتْها] كَوامِلُ العقول حتى نقَّحتها وحرَّرتها، ولم يقلْ منها مسألة إلا وعلم مَغزاها ودَليلها ومَعناها، فوثقت بها النُّفوس، واطمأنَّت إليها [ز1/ 37/ب] القلوب، بخِلاف بقيَّة المذاهب الخارجة عنها، ومن ثَمَّ كان الشَّافِعِيُّ يقول: الليث أفقَهُ من مالك لكن ضيَّعَه أصحابُه؛ أي: بعدَم تدوين مذهبه وتحرير مقاصده وقواعده، واعلم أنَّ الأئمَّة صرَّحوا بأنَّ الظاهريَّة لا يعتدُّ بخلافهم، ولا يجوز تقليد أحدٍ منهم؛ لأنهم سُلِبوا العقول حتى أنكَرُوا