لي بعض رؤساء مكَّة الكتاب، وطلب منِّي كتابة عليه حتى يتبيَّن ما فيه، ويظهر زيغُه الذي اشتمل [عليه] قوادمه وخوافيه، وأكَّد على ذلك، فعزمت على إجابته لأفوزَ بأجر هذا الأمر ومَثُوبته؛ لعلمي بأنَّ أبناء الزمان الذين غلب عليهم الخسار والهوان عكَفُوا على كتابة ذلك الكتاب، واتَّخذوه لسماع تلك المحرَّمات أعظم الأسباب، وظنُّوا أنَّه الحق الواضح، وأنَّ مؤلِّفَه المرشد الناصح، جهلاً منهم بالحقائق، وإصغاء لكلِّ ناعق وناهق، فتجاهَرُوا بها بين الملا، فضلاً عن السرِّ والخلا، فِي بلد الله وحرَمِه، ومَظهر جُوده وكرَمِه، ولم يخشَوْا يوم المعاد، ولا عظَّموا حُرمة أفضل البلاد، وزادوا فِي ذلك حتى كسَّرت من آلاتهم بيدي عدَّةً عديدة، ولزمت ذلك معهم مدَّة مَدِيدة، ورفعت أقوامًا منهم إلى حُكَّام الشريعة تارةً، والسياسة أخرى، بحسب جُرأة الفاعلين الموجبة لحسرتهم فِي الدُّنْيَا والأخرى، وشدَّدت عليهم إلى أنْ عاقَبُوهم بما يُناسِب جُرأتهم، وأشهَرُوا تعزيرهم فِي الأسواق، لتعلم سرائرهم، فخمدوا بحمد الله - تعالى - عن ذلك، ولزموا التحفُّظ عن أنْ يحوموا حول تلك المسالك، فتَمادَى بي الاشتغال فِي هذه السنة بـ"شرح المنهاج" عن أكثر المهمَّات؛ لظنِّي أنه الأهمُّ وأنَّ كلَّ شافعي إليه محتاج، إلى ثالث يومٍ من شهر رجب شهر الله الأصب، فسمعت أنَّ جماعةً من عُلَماء البلدان النائية حضَرُوا مجلسًا جرَى فيه ذكرُ ذلك، فتبايَنتْ [ز1/ 1/ب] أقوالهم، واضطربت أحوالهم، وأصغى جمعٌ منهم إلى مَن لا يُعتَدُّ به فِي تحليلٍ ولا تحريم، بل ربما يُخشَى عليه الدخول فِي ورطة المشار إليهم بقوله - تعالى عزَّ قائلاً -: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا