والسلام من صفات الكمال، وكذلك مفاد لام الاختصاص إنما هو الاختصاص الذي بمعنى الملك والأحقية، وهو معنى اللام وليس هو الاختصاص بمعنى الحصر، كما توهمه بعض الناس.
ولعلَّ ما دفعناه من الأوهام هي التي حملت بعض رواة هذا الحديث على حذف اسم العدد منه، وقد ثبت لفظ الخمسة في هذه الرواية، وهي أصحُّ الروايات، وثبت في روايات أخرى وهي تقضي على الروايات التي حذف منها لفظ الخمسة.
قال أبو بكر بن العربي في «القبس»: «نصَّ على أسمائه الخمسة التي ترتبت عليها الشريعة، فإنَّ الله تعالى سمَّى نفسه، وترتبت المخلوقات على أسمائه الحسنى، فتعلَّق بكلِّ اسم من أسمائه جزء من مخلوقاته، وكذلك تعلَّق كلُّ جزء من أجزاء الشريعة بكل اسم من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم -» اهـ. ويا ليته بيَّن كيفية تعلُّق كلِّ جزء من أجزاء الشريعة بكل اسم من هذه الأسماء
الخمسة؛ وإذ قد ألمَّ إلمامًا، ولم يشف من مطالعها أوامًا، فها أنا ذا أترسم أثره، وأرجو أن أصيب ما أضمره، ولا شكَّ أنَّه يريد بالجزء من أجزاء الشريعة الجزء النوعي، أي: التنويع الأول للشريعة كلِّها؛ إذ لا يمكن تعلُّق أجزاء الشريعة، أي: فروعها بأسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلَّا بهذا الاعتبار. فالتنويع الأول للشريعة أنَّها تتنوع إلى الإيمان، والإسلام، والإحسان، كما أنبأ عنه حديث جبريل في «الصحيح». ودخل في الإيمان الإيمان بما جاء به الرسل من قبل وهو ما أنبأ عنه قوله تعالى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الآية [الشورى: 13]. ودخل في ذلك ما اختصَّت به هذه الشريعة، وهو أنَّها ناسخة لجميع الشرائع التي سبقتها، وأنها خاتمة للشرائع كلِّها بحيث لا تنسخها شريعة أخرى، فأسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الخمسة قد تعلَّق بكلِّ واحدٍ منها جزء من هذه الأجزاء، «فالماحي» الذي يمحو الله به الكفر تعلَّق به جزء الإيمان كله و «محمَّد» لما كان مشتقًّا من الحمد بمعنى المفعول أعني المحمودية، فهو الذي حمده الله فجعله واسطته إلى خلقه في تبليغ شريعته، وحمده الناس لما تلقوا الشريعة منه وعرفوا فضلها في نجاتهم، فتعلق بهذا الاسم الشريف جزء الإسلام.