«وأحمد» لما كان اسم تفضيل من الحمد كان مشتقًّا من الحمد المضاف إلى الفاعل أعني الحامدية، وذلك حمد الله على نعمه وملاحظة شكره، فتعلق بهذا الاسم جزء الإحسان.

«والحاشر» الذي فسر بأنَّه الذي يحشر الناس على قدميه، أي: على إثره، تمثيلًا لعدم الفصل بينه وبين الحشر بنبيٍّ آخر تتبعه أمةٌ أخرى، فتعلَّق بهذا الاسم جزء ختم الرسالة.

«والعاقب» بمعنى الآتي عقب من قبله، والمراد هنا عاقب الأنبياء، ولما كان هذا أمرًا معلومًا لم يكن الإخبار به أو الوسم به إلَّا للدِّلالة على لازمه أعني أنه الذي نسخت شريعته شرائعهم، فتعلَّق بهذا الاسم جزء نسخ هذه الشريعة الشرائع التي قبلها، فهذا ما لاح في تقفية كلام أبي بكر بن العربي رحمه الله.

وعلينا أن نلتفت إلى وجه اختصاص الرسول - عليه السلام - بهذه الأسماء من جهة معانيها، فالاسمان الأوَّلان هما علماه كما تقدَّم، فظهور اختصاصه بهما لا يحتاج إلى زيادة. والماحي المفسر بمعنى محو الكفر به اختصَّ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه بدعوته قد اقتلع الشرك من جذوره وفضح اعتقاد أهله بما نصبه من الأدلة على بطلانه، وفضائحه، وبهتانه بحيث لم يبق بعد الدعوة المحمدية له رواج، فلذلك كان الإشراك أبعد شيء عن المسلمين مع أنَّه لم تنج منه الأمم الأخرى، فقد عبدت بنو إسرائيل العجل، ثمَّ قالوا لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ} [الأعراف: 138]، وقد عبدت النصارى عيسى ابن مريم، ومريم؛ فلذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبته في حجَّة الوداع: «إنَّ الشيطان قد يئس أن يعبد في راضكم هذه؛ ولكنَّه قد رضي منكم بما دون ذلك ممَّا تحقرون من أعمالكم». فالمراد من المحو محوه عن أمته بحيث لا يعود يظهر فيهم الشرك أو يكون المراد من محوه محو شبهه بالأدلة القاطعة المتكررة، فيكون المحو مجازًا في الإبطال القوي كقول الشاعر:

محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا

«والحاشر» قد دلَّ على ختم الرسالة وهو من خصائصه، «والعاقب» دلَّ على نسخ الشرائع التي سلفت وذلك من خصائصه، فهذا جماع خصائص هذه الأسماء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015