وأنَّها قد تهيَّأت بهيئة الحرائر؟ وأنكر ذلك عمر - رضي الله عنه -.
«تهيَّأت»: أي: تكلفت هيئة أو تلبست بهيئة، كما يقال: تعمَّم وتقنَّع. وإنكار عمر على الأمة؛ لأنَّ في ذلك إخراجًا للإماء عن معروف حالهنَّ، فيتطلعن إلى ما فوق المعروف فيدخل ذلك حرجًا على سادتهنَّ؛ إذ ليس كل أحد يقدر على ذلك؛ فتفضي إلى منازعات بينهنَّ وبين مواليهنَّ وكراهية، ويختلُّ نظام الرق والولاء؛ ولأنَّ الإماء لا يراعين من آداب المروءة مثل ما تراعيه الحرائر، ففي خروجها بين الناس بزيِّ الحرائر يوهم أنَّها حرة، فتكون من ذلك سوء سمعة للحرائر، ولعلَّة أن يتطرق بذلك بعض الحرائر إلى الخروج عن معتاد أمرهنَّ من الاحتشام ويجسن خلال الرجال، فيزول بعض ما جرى من أمور النظام العائلي، وتحدث منازعات بين المتطلعات وبين أوليائهن، وزاد عمر إنكارًا أن ذلك يصدر من بيت أمير المؤمنين، وأنَّه قدوة للناس.
مالكٌ عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قال لأخيه: يا كافرٌ، فقد باء بها أحدهما».
ضمير «بها» عائد إلى جملة مقول القول على تأويله بالكلمة، وذلك شائع في الاستعمال، قال الله تعالى: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: 99، 100]. واستعمال «باء» هنا استعارةٌ تمثيلية شبهت هيئة المقدم على سباب المؤمن بقادم أو مغيرٍ يرمي المقدم عليه بأذى مع هيئة المشتوم بمغار عليه، وهو يدافع عن نفسه، ولما كانت الإغارة تستلزم الرجوع بعد قضائها شبه من صدقت عليه كلمة السبِّ براجع بعد إغارة، فالشاتم راجع بها بتمثيله بمن حاول إغارة، فخاب سعيه وردَّ كيده، والمشتوم راجع بها إن صدقت عليه، بتمثيله بمن أغير عليه فخرج للدفاع، فرجع محروبًا.
والمعنى أنَّ أصل الكلام الصدق، فمن قال لأخيه المسلم: يا كافر، فهو لا يخلو من إحدى حالتين: إمَّا أن يكون صادقًا بأن يكون تحقق كفر المشتوم، فيكون المشتوم قد باء