بذلك السب، ومن لوازمه أنَّه قد باء بإثم الكفر بشهادة مسلم، وإمَّا أن يكون الشاتم كاذبًا، بأن يكون قد قال ذلك بهتانًا، فيكون قد سبَّ نفسه، وهو لا يدري إذ قد عدَّ حالة الإيمان كفرًا، ولا يعدُّ الإيمان كفرًا إلا كافرٌ؛ إذ إيمان المؤمن يقتضي الكفر بضدِّ الإيمان، فيكون قد كفى المسبوب أمر الرد عليه؛ فقد رجع الساب سابًّا لنفسه من حيث لا يشعر؛ إذ قد عدَّ حال الإيمان حال كفر فهو يرضى لنفسه الحال المتصف بها المسبوب، فيلزم منه أنه يرضى لنفسه خلافها، وخلاف الإيمان كفر، فكان جديرًا بأن يسب بأنَّه كافر بوجه أحق من الوجه الذي سبَّ به صاحبه؛ لأنَّ حاله هو أشبهت حال الكافر، فكان عود السب إليه أحرى وأجدر.

وليس المعنى فقد باء بصدق السب أحدهما، أي: باء كافرًا؛ لأنَّ اللفظ لا يقتضيه والقواعد الشرعية تنافيه؛ ولأنَّ السب إنشاء والإنشاء لا نسبة له في الخارج مطابقة أو لا مطابقة، وبهذا اندفع عن الحديث الإشكال.

ما جاء فيما يخاف من اللِّسان

وقع فيه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من وقاه الله شرَّ اثنتين ولج الجنَّة، فقال رجلٌ: يا رسول الله ألا تخبرنا» إلخ.

وقع في رواية يحيى بن يحيى، وابن القاسم قوله: «لا تخبرنا» بلفظ النهي، وقد أشكل على الشارحين موقعه، وتأوله الباجي في «المنتقى» بأنَّ الرَّجل أراد أن تتسابق أفهام الحاضرين إلى تعيين هذين الاثنين. وهو أقرب ما تأوَّل به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015