المحض لا حقيقة له، ولما سبق من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نهاهم عن توهُّم الشؤم خاطب فريقًا رأى منهم إعادة الخوض في إثباته بما يردعهم، فجعله مشكوكًا فيه في خصوص هذه الثلاثة التي يعسر استبدالها كالمنكِّل لهم مبالغة في تأديبهم، وحاشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرَّ ذلك أو أن يشكَّ في تقريره. كيف؟ وذلك يناقض صريح نهيه عن الطيرة ونفيه لوقوعها، وما الشؤم إلَّا فرع منها، هذا ما ظهر لي في وجه الجمع بين نفي الشؤم وبين هذا الكلام، وقد رويت أحاديث بقريب من لفظ هذا الحديث أو زيادة عليه أو بلفظ آخر وكلُّها ظاهرها إثبات فاعلية الشؤم، وتأويل جميعها متعين لما دلَّت عليه جمهرة الآثار وما دلَّ عليه هذا الحديث الحاكم على جميعها كما ذكرنا. ويجمع تأويلها أن يكون في كلٍّ منها راوٍ لم يحافظ على اللفظ النبوي، كما نطق به صاحبه عليه الصلاة والسلام، أو لم يستوعب ما قبله من الكلام فتوهم ما يقتضي تقرير ثبوت الشؤم في هذه الثلاثة وما زيد عليها.

وقد رأيت ما رأيت من كلام العلماء يؤول هذا الحديث وغيره بتأويلات مرجعها إلى أنَّ الشؤم واقع في هذه الثلاثة، وأن أحاديث نفيه ونفي الطيرة معناها نفي التأثير، ومعنى هذا إثبات مقارنة القضاء والقدر، وهو تأويل باطل إذ لا يناسب الاقتصار على هذه الثلاثة؛ لأنَّ مقارنة القضاء والقدر موجود معها ومع غيرها. ولم يسلم من هذا التأويل إلا عياض رحمه الله ولا عجب في تحقيقه، وقد ذكر الشارح الزرقاني: أن أبا داود الطيالسي روى عن مكحول عن عائشة? : «أنَّها قيل لها إنَّ أبا هريرة قال: قال رسول الله: «الشؤم في ثلاثة» إلخ، فقالت: لم يحفظ أبو هريرة، إنه دخل وهو (أي: رسول الله) يقول: «قاتل الله اليهود يقولون: الشؤم في ثلاثة» فسمع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015