إذ ليس رسول الله بالذي يشكَُ في الشؤم أواقعٌ هو أم لا؟ وإنَّما جاء بصيغة الشرط «بأن» الغالبة في الشروط المعرضة لعدم الوقوع على إيجاز بليغ، وهو إظهار مثار توهُّم الناس الشؤم في أمور ثلاثة هي أظهر الأشياء في حصول الشؤم لو كان شؤم، فمعنى الكلام: الشؤم ليس بموجود فإن كان موجودًا، فأعلق الأشياء بتخيُّله فيها الفرس والمرأة والمسكن، وإنما خصَّ هذه الثلاثة؛ لأنَّها هي الملابسات للإنسان التي يريد منها صاحبها فوق ما يريد من بقية الملابسات، فإنَّ المرء يريد من الأشياء التي يستعملها نفعًا هو ذاتي فيها وهو راض به، فيريد من الشاة صوفها ولبنها، ومن البقرة حرثها ولبنها، ومن السيف القطع به، ومن النَّار الدفء بها والطبخ، ومن الناقة الحمل عليها ولبنها، ومن الحمار الركوب عليه والسير، فالأشياء كلُّها لا تخيب مراد مستعملها منها؛ إذ كانت منافعها المرادة حاصلة معها بالجبلة.

فأمَّا الفرس فهو دابَّة تراد للركوب ولفهم مقاصد راكبها عند السير بها من سرعة، وبطء، وكر، وفر، وإقدام، وإحجام فصاحبها بحاجة إلى أن يحصل منها اشتراك معه في مقاصده العقلية، وإلى استعمال ذكائها في استكشاف مراده منها، وفي هذه الحالة قد تكون عند ظنه، فيعدُّها ميمونة، وقد يتخلف ظنُّه فيها فيعدها مشومة؛ لأنَّ إخلافها ظنَّه يجرُّ عليه مصائب.

والمرأة يراد منها أن تكون مخلصة له حافة لسره ولعهده، راعية لماله، مجلبة لنسله، وبخاصةً الذكور، موافقة لطبعه، فقد يتَّفق أن تكون طبائعها موافقة له وجارية على مراده فيعدها ميمونة، وقد لا يتَّفق الطبعان ولا تقبل المرأة الانطباع على أخلاق زوجها ولا تلد له فتلحقه منها أضرار تقلُّ وتعظم بحسب مقدار تخلف مقصده فيعدها مشومة عليه؛ ولذلك كانوا يدعون للمعرس بقولهم: «بالرفاء والبنين»، أي: الوفاق، وولادة الأولاد الذكور.

وأمَّا المسكن فهو قرارة المرء، وفيه تعرض له الحوادث، فإن حدث له فيه ما يسره أو ما هو الكثير من أحوال أمثاله من يوم مسرَّة ويوم مساءة حسبه منزلًا مألوفًا، وإن اتفق أن تواردت عليه فيه الهموم أو الأمراض، سمَّاه منزلًا مشومًا.

وهذه الثلاثة يعسر على صاحبها استبدالها لوفرة نفقاتها، ولشدَّة الإلف بها، ولقلَّة إلفاءِ عوض عنها، فكانت مراقبة ما يحصل معها عندهم شديدة؛ ولذلك كثير بين أهل الجاهلية التحدُّث بشؤم هذه الأمور الثلاثة أكثر من غيرها، وذلك من حكم الوهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015