الثانية: أنه إن فتح هذا الباب تعرض له من لا يحسن الجمع والفرق، فيفسد الأحاديث، فلهذا أدخل مالك حديث: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه» عن أبي هريرة، ثم أعاده بسند آخر عن ابن عمر اهـ.
قلت: وقد يُجمع الحديث من روايات، إذا كان شيخه الذي روى عنه هو الذي جمعه، مثلًا حديث زيد بن أسلم عن عطاء، والأعرج عن أبي هريرة، فيمن أدرك ركعة من الصبح. وقد يجمعه مالك، كما قال في حديث حُميد بن قيس، وثور بن زيد في الرجل الذي نذر أن لا يتكلم: «وأحدهما يزيد في الحديث على صاحبه».
وما يوجد في «الموطأ» برواية يحيى بن يحيى الليثي من قوله: «قال يحيى: وسمعت مالكًا يقول أو سئل مالك أو شبه ذلك» فقد سئل عنه أبو الوليد بن رشد فأجاب: «لا يصح أن يتقد أن يحيى بن يحيى زاد في «الموطأ» شيئًا على ما ألَّفه مالك، فأمَّا ما فيه من «قال يحيى، وسئل مالك»، فيحتمل وجهين:
أحدهما: أن مالكًا لما كتبه بيده، قال: وسئلت عن كذا، فلما رواه عنه أصحابه كتب كل واحد منهم في انتساخه: «وسُئل مالك»؛ إذا لا يصح أن يكتب الناسخ وسئلتُ، فيُوهم أنه هو المسئول.
والوجه الثاني: أن يكون مالك رحمه الله لم يكتب «الموطأ» إذ ألفه بيده، وإنما أملاه على من كتبه، فأملى فيما أملى منه «وسئلت عن كذا» فكتب الكاتب: وسُئل مالك؛ إذ لا يصح إلا ذلك. وأما قوله: وسمعت مالكًا يقول، فإنما قاله في «الموطأ» فيما سمعه منه من لفظه، وهو يسير من جملة «الموطأ»؛ لأن مالكًا رحمه الله إنما كان يقرأ عليه، فيسمعه الناس بقراءة القارئ عليه على مذهبه، في أن القراءة على العالم أصحُّ للطالب من قراءة العالم. فما سمعه عليه بقراءته أو بقراءة غيره ولم يسمعه من لفظه وهو الأكثر، قال فيه: «حدثني مالك أو قال مالك». وما اتفق أنه سمعه منه من لفظه، قال فيه: «وسمعت مالكًا يقول»، انتهى كلام ابن رشد.