وأقول: لا يمنع كلام ابن رشد من أن يكون في بعض ذلك صور أخرى لم يذكرها ابن رشد، فقد كان مالك لا يحدِّث في المجلس أحاديث كثيرة، ولم يكن الرواة عنه يتمكنون من نَسْخ «الموطأ»، فهم يكتبون ما سمعوه من الحديث ومما أثبته مالك، ويزيد بعضهم على بعض بمقدار تمكنهم من سماع القارئ، وبمقدار تفاوتهم في سرعة الكتابة، وعلى حسب اختلاف أغراضهم، فإن منهم من يطلب الحديث دون الفقه، ومنهم من يطلب الأمرين، وهذا هو السبب فيما نجده من اختلاف «الموطأ» باختلاف روايته.
على أنه قد يفسر مالم كلامه حين القراءة عليه، وقد يذكر شيئًا لم يكن كتبه في أصله، فيثبته من سمعه؛ إذ لم يكن جميعهم ينتسخ من أصله. وفي «شرح القسطلاني على صحيح البخاري» في مناقب عبد الله بن سلام في ذكر زيادة في حديث أن عبد الله بن سلام من أهل الجنة، قال عبد الله بن يوسف: إن مالكًا تكلم بقوله وفيه نزلت هذه الآية: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف: 26] عقب ذكر الحديث وكانت معي ألواحي فكتبت هذا فلا أدري قاله مالك أو في الحديث.
وأحسب أن أوفى روايات الموطأ بجميع ما كتبه مالك أو بمعظمه، وأكثرها مطابقةً لأصل مالك، هو رواية يحيى بن يحيى الليثي، فإنه لقي مالكًا في آخر حياته؛ إذ هو رحل إلى المدينة في السنة التي مات فيها مالك، يدل ذلك على أنه روى عن زياد بن عبد الرحمن الملقب بشبطون أبوابًا فاتته؛ فلذلك وقع الإقبال على رواية يحيى.
وعندي أنه لا يبعد أن يكون بعض ما في رواية يحيى من قوله: «وسئل» أنه من زيادات يحيى بن يحيى على ما في أصل مالك. وقد رأيت كلامًا مأثورًا عن الشافعي