من إقالته، لأنَّه لا يساعد أحدًا على الرجوع إلى الكفر.

وأمَّا ما قاله الشارحون من التساؤل عن وجه ترك إقامة حد الردَّة عليه فغير متَّجه؛ لأنَّ الإسلام يومئذٍ كان في أوَّل أمره؛ إذ قد كانت هذه القصة في أوَّل الهجرة، كما ينبئ عليه قوله: «فأصاب الأعرابي وعكٌ بالمدينة» أي: علم الأعرابي أو الراوي أنَّ الوعك كان من سكنى المدينة، وذلك حين كانت المدينة موبوءة بالحمى قبل أن يدعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الله تعالى بأن ينقل حمَّاها إلى الجحفة، كما يأتي في حديث عائشة في الباب بعد هذا. ويحتمل أنَّه أراد أنَّ الأعرابي طلب الإقالة من سكنى المدينة وأراد الارتحال إلى ديار قومه في البادية وهم أهل كفر وقد كانت الهجرة واجبة على من يسلم من المشركين، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72]، فنُسخ ذلك بعد فتح مكة. فامتناع رسول الله من إقالة الأعرابي امتناع من موافقته على حرام، وظنَّ به أنَّه إذا خرج إلى قومه لا يبقى على الإسلام.

وقوله: «فخرج الأعرابي»، أي: من دون أن يقيله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه لما استقال ثلاث مرات، كان ذلك نبذًا للعهد في عرفهم ولا يتوقف على رضى المعاهد؛ لأنَّ المقصود من النبذ نفي الغدر، فإنَّه يزول بالتنبيه.

* * *

ووقع فيه حديث أبي هريرة: «فقالوا: يا رسول الله، فلمن تكون الثِّمار ذلك الزَّمان قال: للعوافي الطَّير والسِّباع».

وجدت في طرة نسخة مقابلة على نسخة ابن بشكوال ومقروءة عليه ما نصُّه: قال ابن وضَّاح: انتهى كلام النبي عليه السلام إلى «العوافي»، وما بعده من كلام أبي هريرة تفسير، ولم يُذكر مستند ابن وضَّاح فيما قاله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015