مالكٌ، عن محمد بن عبد الرَّحمن بن سعد بن زرارة أنَّه بلغه؛ أنَّ حفصة زوج النِّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قتلت جاريةً لها سحرتها، وقد كانت دبَّرتها.
هذا الموضع في غاية الإشكال من المذهب ومن الفقه كلِّه، فقد روى مالك هنا أنَّ حفصة قتل جارية لها سحرتها. وظاهره أنَّ الجارية كانت مسلمة. وقال مالك عقبه: «رأ أن يقتل الساحر إذا عمل ذلك هو نفسه» اهـ. والسحر يقع على وجوه كثيرة، منه تمائم ورقىً شيطانية لا أثر لها، ومنه تعالج بسقي أشياء أو دسِّها في الطعام أو نحو ذلك، وقد يكون منها المضرُّ عن قصد، وعن غير قصد، ومنه ما هو توافه يعتقد تأثيرها لتقارن بعضها ببعض أو بمقارنتها لأزمانها. ومنه قذارات وأشباهها تدسُّ في الطعام أو توضع على الجسد بعلَّة خدمة الجنِّ والشياطين أو تسخير نفس المسحور. ومنه استصراخ بالأصنام وعبادة للجنِّ جهرًا أو خفيةً. ومن أحوال السحر ما يستتبع الإقدام على اغتيال الأنفس قرابين للجنِّ والشياطين؛ لأنَّها تسر بإهراق الدم البشري فتخدم الساحر وتذلِّل الصعب لقاصده وتكشف عن كنوز مدفونة ونحو ذلك من الأكاذيب. وبهذا الاعتبار قرنه مالك في «الموطإ» مع الغيلة، وقد كان هذا من شعار السحرة في الأمم القديمة مثل: الكنعانيين، وكان مثله شائعًا في تونس في القرن الماضي ينسبونه إلى سحرة المغاربة الوافدين على تونس ويسمونه بالمطلب، أي: استخراج الكنوز المطلوبة، ويزعمون أنَّه لا يصلح له إلَّا من كانت في عينه علامة معروفة لهم؛ وأكثر ما يختارون له السود ذكرانًا وإناثًا، وليس شيء من هذه بموجب هدر دم المسلم غير ما يدلُّ على أنه قد نقض به إسلامه وارتدَّ به عن الإسلام إلى عبادة الأوثان. فما كان منه جهرًا فهو ردَّة حقُّها أن يستتاب صاحبها ثلاثًا فإن لم يتب قتل، وما كان منه سرًّا، فهو زندقة تجرى على حكم الزندقة في عدم الاستتابة منها عند مالك رحمه الله، أو اعتبارها ردَّة عند كثير من أهل العلم، ونسبه أبو بكر الرازي إلى أبي حنيفة. والذي في «أحكام ابن