والمتأمل النحرير علم أن مدار وصف كتاب في السنة، بأنه صحيح على شرط صاحبه أن لا يُخرج فيه إلا أحاديث صحت نسبتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأحاديث «الموطأ» المسندة والموقوفة كلها صحيحة، وأحاديثه المرسلة هي بينة الإرسال للناظر. فالذين يعدون مثلها من الصحيح، وهو مذهب صاحب الكتاب وأئمة النقد وما درج عليه السلف، والذين يأبون ذلك هم على رأس أمرهم، وهي بمرأى ومسمع منهم وذلك شيء اصطلحوا عليه لأنفسهم بعد أن مضى أسلافهم على قبول ما أبوا قبول مثله، فإذا كانوا قد اصطلحوا عليه لأنفسهم، فليعرضوا عن إخراج المرسل في كتبهم، ولكن ليس لهم حمل الناس على رده؛ لأن ذلك تعمق منهم واتهام لأهل الثقة، وإن معظم حديث ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو من المرسل من كبار الصحابة، إلا ما قال فيه: «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -».
أما ما يحتوي عليه «الموطأ» مما عدا ذلك، فلم يخل كتاب من الصحاح عن الاحتواء على مثل ذلك، بل نجد «صحيح البخاري» مشتملًا على أشياء كثيرة هي أبعد عن الحديث مما يشتمل عليه «الموطأ»، وذلك مثل: تفسير مفردات القرآن، وتفسير مفردات لغوية في بعض الأبواب، وذكر أقوال للمفسرين في معاني القرآن، مثل: مجاهد، وقتادة. وتجد فيه من الآثار عن الصحابة في أسباب النزول كثيرًا، وفي غير ذلك مثل حديث ابن مسعود: «اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي» في كتاب التوحيد، وحديث ابن عباس في النهي عن سؤال أهل الكتاب أيضًا. وربما اقتصر في الباب على تخريج أثر من فعل صحابي كما في باب الوكالة في الوقف من كتاب الوكالة، فدع عنك الغوغاء، ولا تحفل بمن يُسِر حشوًا في ارتغاء.
صار اسم «الموطأ» علمًا على كتاب مالك رحمه الله تعالى، وهو بصيغة اسم المفعول، مشتقًا من وطأ بهمزة في آخره، أي المُسهل الموضح، قيل في وجه تسميته: