والتعويل في هذا كله على معرفة عدالة المرسل، وضبطه، وشدته في انتقاء الآثار ونقد الرجال، وذلك يختلف باختلاف أحوال المرسلين فلا ينبغي إطلاق عنان الخلاف في قبول المرسل وعدم قبوله وإنما هي أحوال، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «استفت نفسك وإن أفتاك الناس»، ومثل هذا يجري في المنقطع والبلاغ.
من أجل ذلك لم يختلف أهل النظر إلى معاني الأمور وغاياتها في أن «الموطأ» أول كتاب قصد منه إثبات الصحيح من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلذلك قال الشافعي رحمه الله: «ما على ظهر الأرض كتابٌ بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك»، وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في كتابه «التقصي لأحاديث الموطأ»: «إن الموطأ لا مثيل له ولا كتاب فوقه بعد كتاب الله - عز وجل -»، وأطلقوا عليه وصف الصحيح. قال مغلطاي: «أول من صنف في الصحيح مالك»، وقال ابن العربي في مقدمة كتابه في «شرح جامع الترمذي»: «الموطأ هو الأصل واللباب، وكتاب الجعفي هو الثاني في هذا الباب، وعليهما بنى الجميع كالقشيري والترمذي».