أمور لا تضيره، مثل أن يكون الرجل سمع ذلك الخبر عن جماعة عن المعزو الخبر، وصح عنده، ووقر في نفسه، فأرسله عن ذلك المعزو إليه علمًا بصحة ما أرسل وقد يكون المرسِل نسي من حدَّثه به، وعرف المعزو إليه الحديث، فذكره عنه، فهو أيضًا لا يضرُّ إذا كان أصل مذهبه، أن لا يأخذ إلا عن ثقة كمالك وشعبة، أو تكون مذاكرةٌ فربما ثَقُل معها الإسناد وحف الإرسال، إما لمعرفة المخاطبين بذلك الحديث واشتهاره عندهم، أو لغير ذلك من الأسباب الكائنة في معنى ما ذكرنا» اهـ.
وأقول: إن السلف كان أكثر تعويلهم في الرواية على الحفظ دون الكتابة، يعرض السهو، كما قال أبو عمر فينسى المحدث اسم الراوي، ويبقي في حفظه تحت صحة المروي تحققًا يوجب له ظنًا بقبوله، وقد كان الرواة عن السلف لا يلحُّون سؤالهم، فإذا أرسل الشيخ الحديث، لا يسألونه عمن رواه؛ لأنهم واثقون بعلم شيخهم وضبطه على أن الشيخ قد يُرسل الحديث؛ لأنه كان مشتهرًا بين أهل طبقته فيصير الاحتجاج به كالاحتجاج بالأمر المشهور، ثم يعرض في الطبقات الآتية بعدُ ذلك الحديث، فإن شهرة المعلومات وغرابتها قد تختلف في العصور والأجيال.
وقد يجلس الشيخ مجلس المذاكرة في العلم والتفقه، ولا يجلس مجلس الرواية فيجري من كلامه الاستدلال بما يؤثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيذكره؛ لأنه معلوم مقررٌ عندهم فيتلقاه عنه أصحابه وتلامذته، ولا يفيتونه فيثبتها في تقاييدهم وفناديقهم، كما سمي من فم الشيخ، كما وقع في جامع البيوع في «الموطأ» عن يحيى بن سعيد، أنه سمع محمَّد بن المنكدر يقول: «أحب الله عبدًا سمحًا إن باع» الحديث، ومحمد المنكدر يرويه عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حسبما أخرجه عنه البخاري، ذلك أن يحيى سعيد سمعه من محمَّد بن المنكدر، ولم يسنده محمَّد بن المنكدر.