رجلي في الغرز، أن قال: «حسن خلقك للناس».

وأما القسمان السادس والسابع: وهما أقوال الصحابة، والتابعين، وما استنبطه مالك، فأراد مالك أن تكون منهما مشكاة، اهتداءً في اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدين، مما تلقاه عنه أصحابه، أو مما فهموه من مقاصده وهديه، أو ما عملوا به في حياته بمرأى منه وأقره، وذلك ما بلغ إليه فقهاء المدينة من العلم المقتَبس من مصباح هدي الصحابة وعملهم في بلد السنة.

فكملت بالموطأ الأداة التي يتطلع إليها المسلم، المتفقه في الدين، المتطلب مصادفة الحق ومرضاة الله تعالى، وإنما دُوِّنَت السنة لأجل العمل بها والتفقه في دين الله بها، فإذا أعوزنا المأثور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن لنا في المأثور عن أصحابه، والمعمول به لدى فقهاء مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام، معتصمًا نعتصم به، يقوم لنا مقام المأثور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك يكثر الاحتياج إليه في أبوابٍ من العقود والمعاملات مثل: العتق، والقراض، والمساقاة، فإذا كانت الأحاديث المسندة قد أبلغت إلينا أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام وأفعاله؛ فإن أعمال أصحابه، وخلفائه، وما جرى من العمل في مدينته منذ حياته واستمر إلى ما قارب ذلك، فهو كنز عظيم من التشريع والهدي، بقي مختزنًا بالمدينة لا يمكن نقله كما تنقل المسانيد، ولكنه يحكي ويوصف، وقد بقي وكفه مختزنًا في «الموطأ» لا نجده في غيره إلا قليلًا، فإن مالكًا قد اختص بتدوين ذلك، إذ اجتمع له في نقله قرب الزمان من زمان النبوة وكون المكان مكانها.

فإن قال قائل: ما الذي ألجأ مالكًا أو بعض شيوخه إلى رواية المرسل والمنقطع والموقوف والبلاغ؟ وهلا أسند ووصل ورفع فكفانا أمر الخلاف في قبول هذه الأصناف؟

فجوابه: أن أبا عُمر بن عبد البر قال في «التمهيد»: «والإرسال قد تبعث عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015