ووجه الفقه في هذا كله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بستر المسلم فيما زل فيه من المعاصي فقال في الحديث الصحيح: «من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة». وفي الحديث الآخر: أنه زجر الذي أخبره بزنا رجلٍ مسلم فقال له: «هلا سترته بردائك»، وغير ذلك من الآثار، فحصل العلم بأن من مقاصد الشريعة الستر على المسلمين في المعاصي ما لم يخش ضرٌ على الأمة؛ لأن في الستر مصالح كثيرة، منها: إبعاد المقترف عن استخفاف الناس به وكراهيتهم له، ومنها أن في التسميع بالعاصي مظنة قصد التشويه به، فيحدث من ذلك سوء نية للمشهر به، ومنها أن إشاعة المعاصي تسهل أمرها على متجنبها؛ إذ النقائص تسهل بكثرة مرتكبيها، يقول من تنزع نفسه إليها: أن له نظائر وأسوة في غيره فبإشاعتها توقظ عيون الدعارة والفساد، وهذا مما يشير إليه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ} [النور: 19]، ومنها أن من حصلت منه المعصية على وجه الفلتة إذا ستر أمره بقي له وقاية مروءته فلعله لا يعاود تلك المعصية فإذا افتضح زال ذلك الاتقاء، فقال: أنا الغريق خوفي من البلل، ومنها أن التشهير يحدث عداوة بين المشهر والمشهر به، وذلك ينافي مقصد الإسلام من دوام الألفة والمحبة بين المسلمين.

فلأجل ذلك كله وغيره أدب عمر من شهر بأخته؛ لأن تلك المقاصد التي ذكرناها هي أقوى واكد في جانب الأقارب بله الإخوة، وليس هنالك ما يعارض؛ إذ لا منفعة للخاطب في إعلامه بما أحدثته مخطوبته؛ فإنه ذنب مضى وليس هو عيبًا في الخلقة يجب الإعلام به لتجنب الغرور بالخاطب؛ كعيوب الأبدان والأخلاق من مرض أو جنون أو حماقة قوية تمنع حسن المعاشرة، على أن الإخبار بمثل ذلك يوجب انكفاف الرجال عن تزوج المرأة؛ ولذلك قال له عمر: «ما لك وللخبر»، يعني لا داعى إلى ذلك الخبر ولا فائدة، فإن الاستفهام في قوله: «ما لك» استفهام إنكاري هو في معنى النفي، أي: ليس لك مع هذا الخبر اتصال واختصاص.

ثم إن كان الذي أحدثته المرأة لا يعلمه إلا أخوها وخاصتها فوجوب كتمانه عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015