الخاطب ظاهر، وإن كان قد اشتهر بين الناس؛ فوجوب كتمانه عن أهلها وجيه؛ إذ كان على الخاطب أن يستعلم على مخطوبته من غير أهلها وأن يستشير ذوي نصيحته، وليس الولي بمستشار، وكل ينصح لمواليه، وهذا الأخ قد عكس سنة المعاملات القومية، كما قال مرة الفقعسي الحماسي:
رأيت موالي الألى يخذلونني ... على حدثان الدهر إذ يتقلب
فإن كان فعل ذلك خشية أن يطلع الخاطب بعد التزوج على حدث زوجته، فليس الذي يحصل بعد اطلاعه بأشد عاقبةً مما أخبره أخوها قبل الزواج.
* * *
قوله: غير أن القاسم بن محمدٍ قال: طلقها في مجالس شتى.
يتعين ضبط «طلقها» بصيغة الأمر، أي: قال للوليد بن عبد الملك ذلك حين أفتاه بأنه إذا طلق إحدى زوجاته الأربع طلاق البتات، أنه يتزوج امرأة عقب ذلك ولا ينتظر أن تنقضي عدة المرأة التي طلقها، وعلى ذلك بنى أبو عمر بن عبد البر كلامه فنقل عنه الزرقاني أنه قال: «أراد أن يشتهر طلاقها البتات ويستفيض؛ فتنقطع عنه الألسنة في تزوج الخامسة». ويؤيد هذا قول القاسم: «في مجالس شتى» لوجوهٍ:
أحدها: أن طلاق البتات لا يتعين لاعتباره بتاتًا وقوعه في مجالس شتى، بل يكون ولو بكلمة على ما أجمع عليه الصحابة من أثناء خلافة عمر بن الخطاب وتبعهم جمهور العلماء.
والثاني: أنه لو أراد تعديد صيغ الطلاق؛ ليكون بتاتًا لقال له في مجالس ثلاثة، وأما لفظ «شتى»، فهو مفيد للكثرة لقصد الاشتهار.
والثالث: أنه لو كان المراد به تكرر صيغ الطلاق لكان فضولاً من القول؛ لأن الفتيا إنما صدرت على من طلق زوجه الرابعة طلاق البتات؛ وإنما أراد القاسم بن محمد تنبيه الخليفة إلى ما يكف عنه ألسنة المتقعرين المرجفين أن يقولوا: طلق زوجة