معصية، إذ لا يترتب عليها فساد في المعاملات بين الناس؛ ولكنها غضاضة في المعاملة، ولنظائرها حكم الكراهة لا حكم التحريم فقياسها الكراهة. وقوله: «شر الطعام» أراد بالشر أقل الطعام ثوابًا. فالشر مستعمل في عدم النفع في الآخرة، وإلا فإن الوليمة مطلوبة وقد أمر رسول الله بها عبد الرحمن بن عوف وهي من سنة النكاح والإجابة مأمورٌ بها شرعًا، ولكن لما كانت الوليمة لا يقصد بها معين كانت دون إطعام الفقير، ودون إضافة ابن السبيل، ودون إطعام الصديق والقريب وربما عرض لها الرياء.

والأظهر أن تجعل جملة: «يدعى إليها الأغنياء» صفة للوليمة، أي: التي يقصد أن لا يدعى إليها الفقراء لفقرهم، فيكون تحذيرًا من هذا القصد؛ لأن ذلك ناشئ عن الكبر والرياء وليس المراد أن الوليمة كلها كذلك، والمشاهد أن الولائم تقع على الحالتين.

جامع النكاح

مالكٌ عن أبي الزبير المكي: أن رجلاً خطب إلى رجلٍ أخته، فذكر أنها قد كانت أحدثت، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فضربه أو كاد يضربه، ثم قال: ما لك وللخبر.

كان هذا الرجل قد حسب أن إخباره الخاطب بأن مخطوبته أحدثت، أي: زنت أمرٌ مشروعٌ، وأن كتمانه ضرب من الغشٍّ للخاطب وكان مخطئًا في حسبانه ذلك، وإخباره بذلك غير مشروع؛ فلذلك ضربه عمر أو كاد يضربه؛ لأنه لو فعل أمرًا مشروعًا لما أدبه على فعله، فالضرب تأديبٌ ظاهر، والهم بالضرب همًّا قويًّا -على ما شك فيه الراوي- تأديب أيضًا إذا كان الرجل من أهل الفضل؛ لأن عمر ما هم بضربه إلا لأنه يجوز له ضربه إذ كان عمر وقافًا عند أحكام الشرع، فإن كان الحاصل من عمر ضرب الرجل فهو لم يعذره بجهل إذ لعل مثله ما كان يجهل سوء ما لمولاته لو تأمل ولم يعجل، وإن كان الحاصل منه مجرد العزم على ضربه، ثم لم يضربه؛ فقد عذره عمر بأنه أراد خيرًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015