والمقصرين يا رسول الله، قال: «والمقصرين».
لم أر من شفَى الغليل ببيان وجه الاقتصار على الدعاء للمحلِّقين ابتداء، وبيان وجه الإعراض عمَّن قال له: والمقصِّرين مرَّة أو مرَّتين الدال على أن المحلَّقين هم الجديون بالثناء. وكلُّ ما قالوا في توجيهه مدخولٌ.
والذي يظهر لي أنَّه لما كان الإحرام يمنع التطيب والتدهُّن مع كثر الشعث، كان الحِلاق عقب الفراغ من الحجِّ أنقىَ للرأس وأقطعَ للقمل والوسخ. والنظافة مقصد شرعي فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للذين أتوا بأقصاها تنبيهًا على فضلها، كما في قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108]. ولما رام المقصِّرون لا تفوتهم بركة دعائه - صلى الله عليه وسلم -؛ لقنوه طلب الدعاء لهم، فأعرض عنهم أولاً إظهارًا لفضل الحَلق، ثمَّ شركهم في الدعوة بعدُ؛ كيلا يحرمهم من بركته.
وقع فيه قول عمر بن الخطاب: «من ضفر فليحلق، ومن عقص أو ضفر» الخ. فضبطا في النسخ بتشديد الفاء. يقال: ضَفر شعره يضفِر من باب ضرب ضفرًا.