له في ذلك، فقال: رأيت فيها ضعفًا، ولو روى عنها لزاد في عواليه، ولكان بينه وبين عائشة أم المؤمنين راوٍ واسطة واحدة.
ولم يكن مالك حريصًا على الإكثار من الرواية، فكان يقول: ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما هو نورٌ يقذفه الله في قلب من يشاء. قال سليمان بن بلال قاضي المدينة في عصر مالك: لقد وضع مالك «الموطأ» وفيه أربعة آلاف حديث فمات مالك وهي ألف حديث ونيف، يخلصها عامًا عامًا بقدر ما يرى أنه أصلح للمسلمين، وأمثلُ في الدين. وذكر ابن العربي عن ابن الجبَّاب: أن مالكًا روى مائة ألف حديث، وجمع في «الموطأ» عشرة آلاف حديث، ثم لم يزل يعرضها على الكتاب والسنة ويخبُرُها بالآثار والأخبار حتى رجعت إلى خمسمائة، وقال الكِيَا الهَرَّاسي: كان «الموطأ» تسعة آلاف حديث؛ فلم يزل مالك ينتقيها حتى بقي سبعمائة.
أظهر مالك طريقته التي سار عليها في الرواية في كتابه «الموطأ»، فأثبت فيه أحسن ما صح عنده من الآثار المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما روي عن الخلفاء الراشدين، وفقهاء الصحابة، ومن بعدهم من فقهاء المدينة، وما جرى عليه عملهم بالمدينة مما يرجع إلى تلقي المأثور عن عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والخلفاء الراشدين، وقضاة العدل، أئمة الفقه.
وَبوَّب ذلك على أبواب بحسب ما يحتاج إليه المسلمون في عباداتهم، ومعاملاتهم وآدابهم، من معرفة العمل فيها الذي يكون جاريًا بهم على السنن المرضي شرعًا، فإن الأمة ما قصدت من حفظ كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله إلا للاقتداء به في أعمالهم، وقد تبعه على هذا التبويب البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، ومسلم في خصوص العنوان بالكتب من «صحيحه».