وجعل مالك فيه بابًا جامعًا في آخره ذكر فيه ما لا يدخل في بابٍ خاص من الأبواب المخصصة بفقه بعض الأعمال. قالوا: ومالك رحمه الله هو أول من عنون كتابًا من كتب مصنفه بكتابِ الجامع.
وأضاف إلى ذلك ما استنبطه من الأحكام في مواقع الاجتهاد مما يرجع إلى جمع بين متعارضين، أو ترجيح أحد الخبرين، أو تقديم إجماع أو قياس، أو عرض على قواعد الشريعة، فكان بحق كتاب شريعة الإسلام.
قال إسماعيل بن أبي أويس: قيل لمالك: قولك: «الأمر المجتمع عليه عندنا أو ببلدنا، والأمر الذي أدركت عليه أهل العلم، أو سمعت أهل العلم؟ فقال هو سماع غير واحد من أهل العلم والأئمة المقتدى بهم الذين أخذت عنهم، وهم الذين كانوا يتقون الله، ورأيهم ذلك مثل رأي الصحابة أدركوهم عليه وأدركتهم أنا على ذلك؛ فهذه وراثة توارثوها قرنًا عن قرن إلى زماننا، وما كان فيه من الأمر المجتمع عليه فهو ما اجتمع عليه من قول أهل الفقه والعلم لم يختلفوا فيه، وما قلت: الأمر عندنا فهو ما عمل الناس به عندنا وجرت به الأحكام عرفه الجاهل والعالم. وكذلك ما قلت فيه: ببلدنا. وما قلت فيه: بعض أهل العلم، فهو شيء استحسنته من قول العلماء: «وأما ما لم أسمعه منهم فاجتهدت ونظرت على مذهب من لقيتُه حتى وقع ذلك موقع الحق أو قريبًا منه حتى لا يخرج عن مذهب أهل المدينة وآرائهم، وإن لم أسمع ذلك بعينه فنسبت الرأي إلى بعد الاجتهاد» اهـ.
فقوله: «وأما ما لم أسمعه»، أي: ما يقول فيه: «فيما نرى أو فيما أرى، والله أعلم». وقوله: «على مذهب من لقيته»، أي: على طريقتهم وقواعدهم المعتادة في فهم الشريعة، وقوله: «حتى وقع الحق»، أي: حتى وقع في نفسي موقع الحق يقينًا أو قريبًا منه وهو الظن. وقوله قبل ذلك: «فهو شيء استحسنته من قول العلماء» أي: