من يسمعه، ويرتدع به من يَقرعه.

***

مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وإنما يذر شهوته وطعامه وشرابه من أجلي فالصيام لي وأنا أجري به. كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به».

معنى قوله: «أطيب عند الله من ريح المسك» أن الله تعالى ليس كمخلوقاته الذين تتأثر مداركهم بمؤثرات الحواسِّ بدون اختيار، فتكون الرائحة الطيبة محبوبة إليهم والرائحة الكريهة مكروهة إليهم بقطع النظر عن أسبابها وآثارهما، وإنَّما الأشياء في استجلاب رضي الله تعالى وغضبه منوطة بمعانيها وحقائقها من حصول كمال أو نقصان وامتثال للشرع أو عصيان، وأمَّا أحوالها الظاهرة فلواحق، فتشبيهها بالمسك في أنَّه يستوجب رضي الله لما يتركه من النزاهة في الأجسام التي تتلطخ به. ولذلك استحب تطيُّب الكعبة بالخلوق، واستحبَّ التطيُّب للجمعة، ولرواية الحديث: «ونُهي عن تلطيخ جدار المسجد بالقذر أو البصاق». ولكن للمعاني عند الله أعظم حظ فنكهة لأمة الحرب في الجهاد مرفوعة لله تعالى؛ وكذلك رائحة دم الشهيد. وطيب الخمر المختومة بالمسك خبيث عند الله تعالى؛ فلذلك كان خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك؛ لأنه رائحة منبعثة عن الكون في عبادة؛ ولذلك ترى الفعل الواحد يكون قربة في بعض الأوقات ومعصية في بعضها مثل ضرب الناقوس للنداء للصلاة، فقد كان قربة في دين النصارى حتى إنَّ صوته يتقربون به لنفع موتاهم، فلما نسخ النداء به في الإسلام بالأذان صار بضد ذلك فورد أنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه ناقوس. وليس ذلك لأن الملائكة ترهب صوت الناقوس؛ ولكن لأنهم كرهوه لمَّا علموا غضب الله على من ينادي إلى الصلاة به. وكذلك القول في الكلب في البيت، أي الكلب: المنهي عنه دون كلب الحراسة في الخوف في الحضر. وقد اتخذ الشيخ أبو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015