محمد بن أبي زيد كلبًا في داره بالقيروان مدة الخوف.
وقوله: «إنما يذر شهوته» إلخ، هو ممَّا يرويه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه تعالى كما هو صريح في رواية أبي صالح الزيات عن أبي هريرة في «صحيح البخاري»، فيكون في الكلام قول محذوف دلَّ عليه قوله: «عند الله»؛ لأن ذلك لا يعلم إلا بإعلام الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهو على حد قوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 5] الآية. ويحتمل أنَّ أبا هريرة جمع في تحديثه كلامينْ سمعهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متفرقين فحدَّث بهما جميعًا فإنَّه قد جمع في رواية أبي صالح الزيات عنه بين بعض - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث وبين الحديث المتقدم قبل هذا، وفرَّق هذا الحديث وزاد حديث «للصائم فرحتان» كلُّ ذلك في تحديث واحد، وحذف قوله: «إنَّما يذر شهوته وطعامه وشرابه من أجلي».
وعلى ظاهر هذه الرواية التي هي أصحُّ من رواية أبي صالح الزيات؛ لأنَّ الأعرج أثبت في أبي هريرة من أبي صالح الزيات تكون جملة «إنَّما يذر شهوته» واقعة موقع الاستئناف البياني بتقدير سؤال سائل عن سبب جعل «خُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».
ومعنى قوله: «إنَّما يذر شهوته وطعامه وشرابه من أجلي» إثبات بالصيام من بين سائر العبادات؛ لأن قوام ماهية الصلاة والحج والزكاة قوام وجودي بإتيان أفعال تشتمل على ما فيه حظ للمتعبد بها من دعاء وتبرُّك بشعائر الحج، ورجاء نماء المال وبركته بالزكاة، وما فيها من ترك الشهوات أمر عارض بسبب الاشتغال بها. وأمَّا الصيام فقوامه ماهيته عدمي؛ إذ هو ترك الشهوات لا غير وليس للصائم فيه حظٌّ إلاَّ أنَّه أمر فامتثل، فظهر الفرق بينه وبين بقية العبادات وإن كان جميعها لله إخلاصًا له. وقد خفي هذا عن الناظرين؛ وظهر بذلك موقع التفريع في قوله: «فالصيام لي» ظهورًا لا خفاء معه.