والحاكم في «المستدرك»؛ فألحقه الحاكم بالصحيح. ومما يحقق ذلك أن مالكًا قد كان معاصروه بالمدينة وهم: عبيد الله العُمري، ومحمد بن أبي ذئب، ومحمد بن إسحاق، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، ومحمد بن عبد العزيز الزهري. فما شُدَّت الرحال من سائر الأقطار إلَّا إلى مالك. وقد انقرض عصر مالك فما خلفه بالمدينة إلا عصر أصحابه، ولا يعرف بالمدينة في عصرهم فقهاء غيرهم.
لقد ضيَّق مالكٌ في شروط قبول الأخبار تضييقًا اسْتبرأ فيه لدينه، وقضى به حقَّ الاحتياط في موافقة صحة النسبة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما تواتر من حال المسلمين في زمانه وزمان الصحابة، روى الترمذي في آخر «جامعة» عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال: «ما في القوم أحدٌ أصح حديثًا من مالك بن أنس، كان مالك إمامًا في الحديث».
وقد تقصَّيتُ مراجع شروط الصحة عند أهل الأثر؛ فوجدتها لا تعدو ثلاثة أشياء:
الأول: تحقُّق صدق الراوي فيما رواه، وهذا يندرج فيه شرط العدالة، واليقظة، والضبط، وعدم البدعة.
الثاني: تحقُّق عدم الالتباس، والاشتباه على الراوي، ويندرج في هذا صراحة طرق التحمُّل من انتفاء التدليس والتغفل.
الثالث: تحقُّق مطابقة المروي لما هو واقع من الأمر في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويندرج تحت هذا قواعد الترجيح بين المتعارضات، ومحامل المتشابهات، وتأويلها، والنسخ، ونحو ذلك.
فالأمران الأولان يعتمدان صحة السند وثقته، والأمر الثالث يعتمد صحة المعنى. وكان معظم رجال الحديث في عصر مالك لا يتوخون إلا صحة السند، وقد شغلهم ذلك عن تتبع الأمر الثالث، وربما كان بعضهم لا يعبأ بالأمر الثالث إذا عنَّ له ويجعل العمدة الأمرين الأولين، حتى قال بعضهم: «إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي»، مريدًا