مالكٌ عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل مولود يُولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يُنصرانه، كما تناتج الإبل من بهيمةٍ جمعاء هل تُحس من جدعاء؟ قالوا: يا رسول الله، أرأيت الذي يموت وهو صغير؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين».
أي: يولد على ما فطر الله، أي: خُلِقَ عليه العقول من إدراك حقائق الأشياء على ما هي عليه واستفادة المدلولات من الأدلة، فلو ترك دون تلقين للضلالة لاستفاد أصل الهدى الذي جاء به الإسلام بنفسه، أو لأذعن إلى دعوة الإسلام وتصديقه بصحة نظره.
وقوله: «كما تناتج الإبل» تمثيل؛ و «تناتج» بفتح المثناة الفوقية في أوله، وأصله تتناتج بتاءين حذفت أولاهما اختصارًا. ومعناه أنتجت، أي: ولدت؛ فالمفاعلة ليست على بابها بل هي للإشارة إلى الكثرة، أي كعموم ما تلده الإبل؛ وما موصولة والرابط محذوف على الغالب، أي كالذي تلده الإبل غالبًا دون علَّة وهو المشبه به، والمشبه هو ولد الآدمي، شبه يولد الناقة، وليست (ما) بمصدرية كما يتوهَّمه كثير.
وقوله: «من بهيمة» من فيه بيان للإبهام الذي في الموصول، فما صدق بهيمة هي البهيمة المولودة لا البهيمة الوالدة، والمعنى: كالذي تلده الإبل من الأولاد الجمعاء لا جدعاء فيها، وإنما يُجدع ابنها بفعل أهلها؛ وبذلك تم التمثيل. وإيَّاك أن تظن (من) ابتدائية؛ لأن ذلك لا يستقيم معه التمثيل؛ لأن المقصود تمثيل حال عقل الآدمي المولود في كماله واستقامته بحال جسد البعير المولود في تمامه، وليس المراد التمثيل بتمام جسد الوالد؛ لأنه يفضي إلى أن يكون الممثل تمام عقل الوالدين وهو يفسد المعنى المقصود، فشدَّ يدك بهذا التفسير، فإن هذا الحديث قد أخطأ فيه جمٌّ غفير.
وقوله: «الله أعلم بما كانوا عاملين» يتعيَّن أن (كان) فيه زائدة، وأن أصل الكلام: الله أعلم بما عملوا، أي الله أعلم بما صاروا إليه في الآخرة، فقد أمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث عن الجواب عن هذا السؤال وفوضه إلى علم الله تعالى مثل أمر الروح وأمر الساعة، وليس المقصود أن الله يجعلهم على مراتب تناسب ما كانوا سيفعلونه من خيرٍ أو شرٍّ، كما توهمَّه الشراح؛ لأن ذلك معنى غير مستقيم، إذ